مقالات الأهرام اليومى

الطاقة والمياه ومعارك المصريين

معارك الحياة والوجود هى دائماً المعارك الكبرى للأوطان، وطالما عرفنا، عبر تاريخنا، أن المصريين كلما حاولوا هزيمة الفقر والتخلف والعجز، فإن هناك قوى مناهضة تتربص بهم. لذلك أطلق عليهم رئيس الدولة لقب الأشرار، وهؤلاء موجودون فى الخارج، ولكن لهم أتباعا من المجرمين فى الداخل!. وقد كان من المتصوّر- بعد أن حققنا تحولات فى الداخل والخارج، اقتصاديا وسياسياً- أن نذهب للاستحقاق الانتخابى فى نهاية مارس القادم فى شكل احتفالي، يؤكد قدرتنا على استمرار السياسات التى خطت بنا خطوات متقدمة من إصلاح، وتقدم اقتصادى وتنموى هائل، وبنيوى كبير فى شكل ومستقبل الدولة، ولكن أهل صناعة الشر والخلافات يحاولون العودة بالمصريين إلى الوراء، لأن مخطط تركيع البلاد، وإخراجها من التأثير الإقليمي، الخارجى والداخلي، مازال مستمراً، ولم يتوقف بعد. ويخطىء كثيراً من يظن أن ما خرج بسببه الشعب فى 30 يونيو 2013 قد انتهى.

صحيح أن إرادة الشعب انتصرت فى كسر الخطوط الحمراء التى وضعوها للبلاد بتعجيزها داخليا، وإظهارها عديمة القدرة على حماية الشعب أرضا ومياها، لكن المجرمين فى العصر الراهن خططوا لكى يضربوا إمكانات الدولة الاقتصادية والتاريخية، وحتى إمكان استمرار الحياة نفسها، من خلال مخطط تفشى الفوضى والإرهاب فى كل أرجاء البلاد، والأخطر أنهم خططوا لإيقاف تقدم مصر فى مجال الطاقة، ثم ضرب مستقبلها المائي، وإيقاف قدرتها على إنتاج الغاز الطبيعى. فكل المؤشرات كانت – ولا تزال- تؤكد الإمكانات الكبرى لإنتاج مصر من الغاز الطبيعي- وقود التقدم الصناعي- فى البحرين الأبيض والأحمر، فرصد الأشرار ملايين الدولارات من دولة شقيقة هى قطر، حتى لا تكون مصر منتجة ومصدرة للغاز، أو منافسة لهم فى الإقليم، وساعدهم فى ذلك الأتراك. حاولوا فى البداية عرض الغاز الطبيعى لكل الجيران بأسعار بخسة حتى لا يتطلعوا إلى الغاز المصرى، وبذلت الدولة المصرية فى حينها كل السبل، لكى تدفع الشركات لإنتاج الغاز فى مصر، وساعد التطور التكنولوجى على تشجيع الشركات فى هذا المضمار، خاصة فى إنتاج الغاز المسال وتجميده وتصديره، فأنشأت الدولة ميناء دمياط لتصدير الغاز، ونجحت جزئيا فى التصدير، كما أدخلت الغاز للمنازل، فرفعوا سلاح إسرائيل وغزة، وأنهم أنصار القضية الفلسطينية، وأننا نبيع الغاز بسعر بخس للأعداء، حتى تهرب الشركات العالمية من السوق المصرية، ثم كانت فرصتهم الكبرى أو الذهبية فى مرحلة الفوضى التى تفشت فى السنوات الماضية، والعجز عن سداد مستحقات الشركات الباحثة عن النفط والغاز لتهرب من السوق المصرية.

لذلك نحن فى معركة كبرى، انتصرت فيها الإرادة المصرية، لكى تصبح مصر مركزا مهما للطاقة والغاز الطبيعى فى العصر الراهن، وليسترد المصريون أنفاسهم، ويكونوا قادرين على المنافسة فى عصر البترول، بعد أن خرجوا من عصره لسنوات طويلة، نتيجة للحروب والاضطرابات أو الثورات، وقد أصبحوا عمالا وفقراء فى المطارات والموانئ، فهاجر المدرسون والأطباء والمهندسون ومعظم العقول المصرية، ليس إلى أشقائنا فى الخليج فقط، ولكن إلى كل بقاع العالم من أوروبا إلى أمريكا، وأصبحت مصر فقيرة فى العمالة، وغير قادرة على التحول الاقتصادي، لأن عقولها هربت، وضاعت، ثم جاءوا فى عصر البترول ليعايرونا بأننا لم نتقدم، وأن مؤسساتنا التعليمية ومصانعنا وجامعاتنا أصبحت جميعا متخلفة. فكان العمل السريع فى حقل ظهر فى البحر المتوسط، وإعادة الاكتشافات البترولية، ودخول مصر عصر الطاقة من جديد، ثم القدرة على توليد وإنتاج الكهرباء، وتغطية احتياجات السكان من الاستهلاك والإنتاج، إشارة كبرى لهزيمة الأشرار فى هذه المعركة الحيوية لمستقبل المصريين وعودتهم إلى الحياة أقوياء.

الانتصار فى معركة البترول والطاقة يعنى الانتصار فى معركة المياه فى أعالى النيل، لأن أشقاءنا فى نهر النيل لديهم موارد ضخمة وفائضة من المياه، وتحتاج، بالتعاون معهم، إلى إعادة ضخها فى النهر من جديد. ولعلى أشعر بأن انتصار المصريين بتقوية جيشهم، وإعادة الأمان للوطن، وإعادة بعث الاقتصاد بالتعاون مع الإخوة الأفارقة فى قارتنا العزيزة، والتفاف دول حوض النيل حول مصر الغنية والقوية القادرة على حماية الموارد وإنعاشها وتطويرها، هى الخطوة الأولى نحو تغيير وتجديد مستقبل الوطن. كل هذا جعل النوم يطير من عيون أهل الشر، فجروا فى كل الاتجاهات لإخافة المصريين على حلمهم القديم، وهو الديمقراطية وحقوق الإنسان، ونحن أعرف منهم بتحقيق الحلم، فهذا الحلم لا تحققه الدول المنهارة، ولا الشعوب المفككة المتصارعة التى بلا جيش أو مؤسسات تحميها، وأن بناء أساس قوى يحميه جيش عظيم هو طريق لا يتوقف لبناء نظام سياسى مستقر وقوى ويقبل بكل الطموحات.أبارك للدولة، والشعب المصرى إنجاز معجزة (حقل ظهر )، فقد جاء بعد مفاوضات عسيرة، فهو حماية للبحر الأبيض المتوسط، وهو شجاعة فى القرار السياسي، حين اتخذ بترسيم الحدود البحرية فى البحرين الأبيض والأحمر، ثم فى دفع الشركات للعمل فى البلاد وحمايتها بكل قوة، ولأن النجاح يولد النجاح، فإن مصر المنتجة الكبرى للغاز ستصبح بؤرة اهتمام العالم وحديثه فى المرحلة القادمة، كما أبارك للمصريين رئاسة الاتحاد الإفريقى 2019 ، فهى إشارة من إفريقيا، منبع النيل، بأنها ستحمى النهر لكل أبنائها فى المنبع والمصب. وهكذا سنحكى لأبنائنا، كيف انتصر الشعب والجيش فى معركة النفط والمياه، وإعادة الاقتصاد، وكل ذلك لا يعنى أن من بنوا الأصعب سيتخلفون عن الأسهل، وهو البناء الديمقراطى.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى