كلمة للأزهر شيخا وجامعا وجامعة

لم يجتمع لمؤسسة مصرية من كمال المعانى والأدوار ما اجتمع للأزهر، فهو حصن العراقة والعلم، وصاحب التأثير التاريخى والدور فى حماية مصر وسياستها، والمصريين وحياتهم، وصولا إلى عالميته، ووجوده فى كل معترك فكرى وعقائدى للمسلمين عامة، ومع دينهم وهويتهم السمحة المعتدلة، حافظا للغتهم العربية الرصينة، والعامية أيضا.
وكنت قد رصدت مجموعة موضوعات تحمل فى طياتها متابعة للأحداث الجارية، لشحذ قيمنا وقدرتنا وهمتنا على مواجهة ما تمر به بلادنا ومنطقتنا من مصائب، وتتناسب مع شهر رمضان الكريم، وكل عام وأنتم بخير. فكتبت عن القدس الأسبوع الماضي، وكيف لاح لى فى الأفق زمن تحرير القدس، وقدمت رؤية بأن تخليص المدينة المقدسة من العدوان العالمى الغاصب الملتف حول إسرائيل لن يكون إلا بحشد المسلمين والمسيحيين معاً، بكل الأساليب السلمية والقانونية، فهم أصحاب الحق بتجميعها كل الأديان، وألا تقع فريسة لفريق يسعى إلى تهويدها، واقتصارها على المتطرفين من اليهود وحدهم.
ووجدت أن الأزهر هو من يستطيع أن يقودنا فى هذا المسار، بما يملكه من قدرات ومآثر وأدوار تاريخية عديدة، مكنته عبر التاريخ من حفر اسمه على مر الزمن، وأصبح منذ أكثر من ألف عام قوة التأثير، وقبلة العلماء والعامة من المخلصين والمؤمنين، واجتمعت له راية القيادة دائماً، بشيوخه المتعاقبين الذين وصلوا إلى 48 شيخاً، وكان شيخهم الحالى د. أحمد الطيب له من اسمه الكثير.
وقد وضعته الأقدار فى هذا الموقع الخطير والمؤثر فى حياة الوطن بل الأمة الإسلامية كلها فى سنوات الخطر، وبعثرة الهوية، والزج بالإسلام فى متاهات غريبة، خططت لها الجماعات المتطرفة، فوقع العالم الإسلامي، فريسة للتطرف والإرهاب والفوضى، وتسلط القوة الخارجية، والمستشرقين الذين وظفوا قدراتهم، وتبحرهم فى علوم الدين الإسلامي، واللغة العربية، لكى يضربوه من الداخل، سعياً للتفكيك والتشرذم، والتقت الإرادتان معاً، قوة داخلية إرهابية تسعى للتطرف وضرب الأوطان، وقوة خارجية تمدها بكل عناصر الحياة والقدرة على التخريب وضرب جذور الأديان.
ونجح الإرهاب والمستشرقون الجدد فى صياغة فكرة خطيرة بأن أعداء الحضارة والإنسانية هم المسلمون وبلادهم، وتناسوا أن أول الضحايا هم العرب والمسلمون، فهم الذين يموتون بالملايين، وتُسلب أوطانهم، ويهجّرُون فى كل أصقاع الأرض، ويبحثون عن المأوى والملاذ. وقد تنبهت القوى المتطرفة إلى القوة الكامنة فى الأزهر، فسعت إلى تشكيك الناس فى الأزهر وشيوخه الكرام وعلمائه الأفاضل، فهم القادرون على المواجهة فى تلك المعركة الفكرية والحضارية القاسية، فحركتهم تسبق رجال الدبلوماسية والسياسة والقانون.
والأزهر بما له من مكانة عربية وعالمية يستطيع أن يحشد كل المؤسسات الدينية فى عالمنا المعاصر حول هذه المعركة المقدسة، سواء أكانت الفاتيكان أم الكنائس الأخرى، والقوى الإسلامية فى عالمنا قادرة، إذا أعلنت راية تحرير القدس، فسيجتمع حولها الكثير فى عالمنا ليجعلوها مدينة لكل الأديان!
إننا نقف فى هذه المعركة حتى نمنع محاولات طمس هويتها الإسلامية، فهى القبلة الأولى للمسلمين، وفيها الأقصى مسرى الرسول الكريم، ثم نؤكد مكانتها المسيحية، باعتبارها مهد ظهورها، وموطن كنيسة القيامة. نقف معا باعتبارها مدينة لتجمع الأديان وليس لتفرقة الأديان، ونرفض تصارعها وحروبها التى لا تنتهي، والتى لا تخدم أى دين أو أى إنسان.
وأزهرنا الشريف مؤهل لهذا الدور التاريخي، ولما يبذله شيخه ومشايخه من إظهار الصورة الحقيقية للإسلام، وهى المعتدلة والجامعة لكل المسلمين، وقد واصل الأزهر فى السنوات الأخيرة معترك تصحيح المفاهيم الدينية لدى المتطرفين، وأنشأ مرصداً يتواصل بكل اللغات، حتى يكشف ما يفعله التطرف والإرهاب، من فرقة وانقسام وتشجيع على الحروب، سواء بين الأديان أم بين الطوائف. والأزهر يستطيع الآن أن يتدخل لوأد الفتنة التى تزرعها إيران فى العالم الإسلامى بين السنة والشيعة، ويحشد الطرفين، لكى يلعبا دورا لصالح تحقيق المصلحة الإنسانية، وليس الانجراف للصراعات المسلحة التى لا تحقق إلا مصالح مؤسسات التسليح، والدول المستفيدة من تجارة السلاح.
إن منطقتنا تمر بمنعطف خطير، وقد تنزلق إلى ما لا يحمد عقباه، إذا قادها المتطرفون والإرهابيون، سواء كانوا من السنة أم الشيعة أم اليهود أم المسيحيين الإنجيليين، أم صناع الحروب. وأزهرنا الشريف يستطيع أن يقود، ويعمل على إيقاف الصراعات المقبلة بين الأديان والطوائف فى العالم، وفى الشرق الأوسط، وعلى الأرض العربية تحديداً.
أما قصة دور الأزهر، شيخاً وجامعاً، فى إنقاذ مصر من فتنة الإخوان المسلمين فى السنوات السبع الماضية وحتى الآن، وتسلطهم على البلاد والعباد، فتلك قصة فريدة تستحق أن تفرد لها صفحات، فهى فصل مشرق جديد ومشرف فى تاريخ تلك المؤسسة العريقة، يضاف إلى سجلاتها الخالدة، ودورها المركزى فى التاريخ المصري، وقد كنت شاهداً على ذلك، وسوف أسطره مكتوباً يوما ليظل حياً للأجيال القادمة. وأقول للذين يقللون من شأن الأزهر، وشيوخه الكرام بتشويه صورتهم، إن هذا لا يخدم الروح الرامية إلى التطور والإصلاح والتحديث والسلم، والبقاء الذى ينشده المجتمع المصرى خاصة، والعربى عامة، ولكنه يخدم كل عناصر الهدم، الرامية إلى تغيير حياتنا فى عالم اليوم، والذى تقوده قوى كثيرة تعمل على هدم القيم والأديان، حتى يبنوا مكانها عالماً تسوده الفوضى والعبثية والانحلال.
إن الأزهر هو حصننا فى هذه المعركة الشاقة، معركة البقاء أحياء فى العالم، وتقودنا فيها قيمة الحق وسماحة الأديان والإيمان.
