دوامة الحصار

سألت نفسى، وسألنى الآخرون.. هل هى مصادفة تاريخية أن نعيش فى منطقة اضطرابات مستمرة؟.. نخرج من أزمة، أو نتصور أننا تجنبنا كارثة، حتى تشتعل أزمة جديدة، ونحن فى دوامة الحصار المستمر، منطقة الشرق الأوسط، وحزامها العربى يموج باستمرارية الأزمات إذا تناسينا الحصار المفروض على نسبة لا يستهان بها من شعبنا لأسباب مختلفة.
وإذا اقتربنا من الصورة الأخيرة أكثر، لوجدنا أننا على أبواب انتفاضة جديدة فى الأرض المحتلة، يعلن خلالها الشعب الفلسطينى تململه من السلام والقهر المفروض عليهم، وهناك محاولات من زعماء المنطقة مع راعى السلام الإسرائيلى العربى ـ الولايات المتحدة ـ وانتظارا لزيارات مرتقبة لقادة المنطقة لواشنطن، بعد أن فشلت محاولات إحياء السلام أوروبيا، وخير مثال على ذلك، فشل روبن كوك ـ وزير الخارجية البريطانى ـ الذى جاء ممثلا للاتحاد الأوروبى، وقادما من لندن حليف أمريكا المباشر واللصيق، ويبدو أن إسرائيل أصبحت لا تريد حليفا أو راعيا للسلام، وتسعى »للاستفراد« بالفلسطينيين وحدهم، ورسالتها المعلنة الوحيدة تقول ببساطة عليكم أن تقبلوا ما نعرضه نحن فقط.
ولا تطلبوا من أحد المزيد، ولن نسمح لأحد بالتدخل ـ مباشر أو غير مباشر ـ هذه حقيقة تترجم يوميا، حتى جعلت من التدخل الأمريكى للسلام شىئا صعبا ولا مبرر له، فالدور الأمريكى ينحسر ويعيش فى ضعف لم نشهده من قبل، بل أصبح هذا الدور عبئا على عملية السلام نفسها، لأنه لا يتجه بالضغط إلا على العرب والفلسطينيين، وتحولت واشنطن من راعى للسلام إلى لوبى ضغط لصالح إسرائيل.
هذا على صعيد القضية المحدد فى الشرق الأوسط، نشهد ضغوطا إسرائيلية وغربية، لكى تتحول فرصة السلام التى لاحت عقب كامب ديفيد مع مصر وأوسلو مع الفلسطينيين، والاتفاق الأردنى ـ الإسرائيلى إلى سراب يذهب مع ر ياح مواجهة جديدة نشهدها على المعابر، وفى الأراضى المحتلة، وعبر تهديدات لعمليات إرهابية واغتيالات سياسية لجماعات العنف وأجهزة المخابرات.
وتتواصل الحلقة بتجميد السلام مع سوريا ولبنان، رغم محاولات استدراج اللبنانيين، والهدف واضح، هو زرع »إسفين« بين أرجاء القطرين، ومواصلة سياسة التجزئة، ونقل الصراع إلى الشعوب و القوميات.
وهكذا تتوالى نقط العنف والاضطرابات فى الشرق الأوسط، فالمسألة العراقية تنتقل حاليا بهدوء وصخب من قضية مشتعلة، إلى مسألة مزمنة، فهى مرشحة لكى تصبح مرضا دائما حتى ومتجددا فى الجسم العربى، لا ينتهى، وإنما يعاد استخدامه وإشعاله عند الطلب، ولا يهم معاناة شعب أو ضياع مستقبل، فهذه مشاكل الشعوب المهزومة، وعليهم أن يدفعوا ثمن الهزيمة المستمرة للمنتصرين الذين يخططون هذه الأزمات، ويستخدمون حكامها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتتوالى مناطق الاهتزاز وبؤر الصراع والتوتر إلى ليبيا فى شمال إفريقيا، التى تتعرض إلى حصار ورفض غربى لتغيير الصورة أو التعاون، بالرغم من أن أزمتها، اعترفت أكبر محكمة دولية أنها قضية قانونية وليست سياسية، ولم يصبح هناك مبرر لعقاب ٥ ملايين ليبى انتظارا لمحاكمة اثنين من الليبيين متهمين بتفجير طائرة منذ ٠١ سنوات.
والحصار يحكم، والاضطرابات، وحزام الفقر يشمل الجميع، ويصل إلى السودان المنقسمة، التى تدور داخلها رحى حرب أهلية تمتد وتتسع.
والكل منشغل بمواجهات داخلية وأزمات حربية فى الخليج العربى، وحصار العراق، أشعل هذه المنطقة الحيوية، وجعل التدخل الخارجى حقيقة لا تناقش، والشام مشتعل فلسطينيا وعراقيا، وحرب ، وتدخل من دول المنطقة فى لبنان، والشمال ا لإفريقى مشغول بمواجهة الفقر والحصار، والمغرب العربى تدور داخله حروب أهلية تستنزف القوى، والمعركة بين الجوار العربى مستمرة، فالتخوف من إيران وتركيا مازال كبيرا.
وهكذا فإن ظروف المنطقة ككل متأزمة، وتحتاج إلى وقفة متأنية، جعلت الاهتمام الرئيسى لدولها منحصر فى الأمن، وغيبت التنمية، وضاع مستقبل الشعوب وحقوق الإنسان.
هل كل هذه الأزمات فى وقت واحد مصادفة تاريخية، أعقبت انتهاء وزوال الاتحاد السوفيتى؟ أم أن هذه الأزمات والصراعات والمشاكل الدائرة مجتمعة، تشكل حربا جديدة، اشتعلت عقب انتهاء الحرب الباردة، وزوال دول الكتلة الشرقية، تمهيدا لقيام نظام جديد للمنطقة، لا نشارك فى صناعته، ولكن يصنع فى الخارج، وهذه الأزمات والحروب مقدمة لانطلاقة؟ مجرد سؤال أو ملاحظة عابرة.

