مقالات الأهرام العربى

قمة الرد

فى عالم اليوم يجب اتخاذ القرار وتحمل تضحياته، وتبعاته، وعندما اتخذت باكستان قرارها بدخول النادى النووى ردا على التفجيرات الهندية، وصولا إلى التكافؤ فى العلاقات والقوى بين الدولتين المتصارعتين، كانت تعرف مقدما أن لهذه القنبلة أعداءها وحساباتها فى عالم تتداخل فيه الحسابات، وبالرغم من أن باكستان أطلقت قنبلتها، وأعلنت أنها دفاعية، خاصة أنها دولة صغيرة، إذا قورنت بالهند والصين، وتعرف مقدما أنه من الممكن المقايضة بأمنها فى ظل الحسابات فى عالم الأقوياء، فدفعت بإمكاناتها نحو السلاح النووى وصولا إلى توازن لا يسمح بالمقايضة ويحمى مصالحها، ويجعل للتضحية بها ثمنا غير بسيط، بل لا يستطيع النظام العالمى أن يدفعه فى ظل مكانتها الجديدة، بالرغم من إمكاناته وقدرته فى التأثير عليها اقتصاديا، وانعكاس ذلك على شعبها الفقير.

وإذا أضفنا بعد إسلامية القنبلة الباكستانية، سنجد أن باكستان تتعرض لموقف بالغ الصعوبة، وعقوبات أصعب.

سيطرت التطورات الآسيوية، ونحن نتابع عن كثب الاتصالات العربية المكثفة لعقد قمة عربية محورها الرد العربى على  انهيار السلام فى الشرق الأوسط، وما صاحبه من تداعيات على الجبهة الفلسطينية والسياسات الإسرائيلية التى خرجت عن كل المتوقع والمألوف، ليس فقط بخرق كل الاتفاقيات الموقعة معها وتهديدها للشعب الفلسطينى الذى قبل كل ما عرض عليه من المجتمع الدولى وآخرها المبادرة الأمريكية التى لا تحقق مصالحه، ولا تتسم بالعدالة ـ وبالرغم من ذلك رفضتها إسرائيل ـ بل امتد رفضها إلى تهديد الولايات المتحدة الراعى للسلام، بل خرجت إصدارات أمريكية مثيرة للدهشة والتساؤل، تتهم الإدارة الأمريكية بابتزاز »نيتانياهو« لصالح الفلسطينيين، وفجأة وسط ذهول العرب من تناقضات المواقف الإسرائيلية، وفجاجة الأمريكيين وضعفهم، انتقلت المعركة داخل الإدارة الأمريكية وأصبحت »أولبرايت« وزيرة الخارجية الأمريكية تتهم بأنها ممالئة للعرب، وأصبحت المعركة بين الأمريكيين أنفسهم، وقطعا نيتانياهو يضحك فى »كمه« ويتصور أنه خرج من المأزق، وحول الأنظار إلى معركة أمريكية داخلية، وقتل السلام، وجعل الفلسطينيين فى موقف لا يحسدون عليه، فقد جرهم إلى السلام، واستطاع أن يمزقهم داخليا، ومن الصعب اليوم التكهن بخطوتهم التالية، هل يهربون، ويعودون إلى الحرائق والاضطرابات والانتفاضة المستمرة، وتكون قصة السلام هى نهاية عرفات، وتعد جولة الشيخ أحمد ياسين فى المنطقة العربية، اعترافا جديدا بالقادم الذى يحمل موقفا مختلفا ورؤية جديدة للصراع العربى الإسرائيلى، وآمال الفلسطينيين فى مستقبل مختلف.

أما أن للقصة بقية، وأن الدعوة لمؤتمر قمة عربى سوف يحمل فى طياته صورة مختلفة، تكشف للعالم أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية هى فى حقيقتها مفاوضات عربية فى طليعتها الفلسطينيون، وبالتالى  فإن نتائج المباحثات لن يتحملها عرفات ومنظمته أو الشعب الفلسطينى فقط، فالعرب فى حاجة إلى أن يردوا على إسرائيل، ويحملوا الولايات المتحدة بل المجتمع الدولى راعى السلام والمطالب به ـ مسئولية فشل السلام، وفتح باب المنطقة على نار جهنم، وهى بالمناسبة ستكون أحسن من الحرب، كما وصفها الرئيس مبارك، فإسرائيل تفتح الباب للإرهاب الواسع الذى سوف يغتال استقرار المنطقة ودولها.

إن الرد العربى فى القمة القادمة، يجب أن يكون بليغاً ومشابها للرد الباكستانى العملى والواقعى بالرغم من تضحياته، وعلينا كعرب أن نلعب دورا ملموسا فى النظام العالمى الجديد وتوازناته المحكمة، ولعل دخول الهند وباكستان النادى النووى والتغييرات التى حدثت على المسرح العالمى أبلغ دليل على الحاجة إلى دور عربى بارز ومؤثر لحفظ الاستقرار العالمى، والرد على صانعى الاضطرابات، والذين يدفعون نحو اللاستقرار و يهددون السلم، المتغيرات تكشف عن قوة بالغة للموقف العربى، ودور أكبر وقدرة متزايدة على آلفعل، وتغيير موازين القوة، فالعرب مازالوا أقوى فى الميزان الاستراتيجى الدولى من إسرائيل خاصة فى ظل تمسكهم بالسلام، وموقفهم الحالى المتماسك ورؤيتهم الواضحة للمستقبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى