من يكسب بضرب العراق؟

تعرض العراق لضربة أمريكية جديدة يعد جريمة بكل المقاييس يدفع ثمنها شعب عربى.. تعرض لكل صنوف الاضطهاد والعقاب على أيدى نظامه الداخلى، وبواسطة النظام العالمى الذى تديره الولايات المتحدة.
والذى يحقق المنافع والمكاسب السريعة من هذه الضربة المرتقبة، هو القوات الأمريكية التى أصبحت توظف لتحقيق مكاسب اقتصادية سريعة أو لتغطية أخطاء سياسية وفضائح للرئيس الأمريكى، وللحصول على التفاف شعبى حول القيادة.. أما المكسب الحقيقى فهو عائد بشكل مباشر للنظام العراقى وقائده الرئيس صدام حسين.. الذى بلاشك سوف يكتسب شعبية وتعاطفا عالمىا وعربىا وإسلامىا، قد يؤدى إلى أن ينسى البعض أخطائه وجرائمه فى حق شعبه و مستقبل بلاده والمنطقة العربية.. لكن المكسب الأخطر الذى سيحققه هو داخلى أساسا.. لأنه سيتمكن من إحكام قبضته على السلطة.. بالتفاف شعبى وبرفض المعارضين، لأنهم أصبحوا فى جانب المعتدين.
ولعل أهم الذين سيحققون مكسبا ضخما نتيجة العدوان المرتقب على العراق.. هم المتطرفون.. وعناصر الإرهاب السياسى التى تسود الشرق الأوسط والمنطقة العربية، والتيارات السياسية المتطرفة التى تستخدم الإسلام ستارا للسياسة والعنف.. لأنهم سيمتلكون حجة أو غطاء من العدوان لجرائمهم التى تهدد الاستقرار فى المنطقة العربية..
بصراحة ووضوح إن الولايات المتحدة والغرب سوف يقدمون للتطرف والإرهاب أقوى الوجبات والمبررات، والخاسر الحقيقى هو مستقبل التعايش والاستقرار الذى هو ضرورى للعرب وللغرب معا.. وستعود المسألة العراقية لكى تتحكم فى وجداننا وسياستنا.. وسيقع الضمير العربى فى ورطة حقيقية بين عقله ووجدانه، فبالرغم من قناعاته بجرائم وأخطاء نظام صدام حسين، فإن حبه للعراق وشعبها وتضامنه مع أطفاله وأشقائه من الوضع الاقتصادى، بل والغذائى ومستوى الشعب العراقى اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وأهمية عودة الدور العراقى لمستقبل المنطقة والعرب، يجعله يقف ضد العدوان وضرب العراق وشعبه..
وسنعود إلى دوامة حرب الخليج الثانية.. فمنذ احتلال الكويت بواسطة العراق ثم تحريرها، ونحن جميعا نعيش أسرى هذه الحرب المجنونة بكل تبعاتها.. »والعربى« فى كل مكان يعانى وطأة الأزمة التى انقسم فيها عرب الخليج والمغرب، واختلف عرب المشرق بينهما.. وطالت المسألة الكويتية الجميع، وأدت إلى انقسام العرب، وضياع وتبدد حلم الاتفاق أو التعاون بين شعوبهم أو أنظمتهم قبل نهاية هذا القرن الصعب والدخول فى الألفية الثالثة..
ولا يمكن أن يظل النظام العربى رهينا بين المسألة الكويتية ثم المسألة العراقية.. حتى إن البعض الآن يهمس بأن العرب أو الفلسطينيين قد يحصلون على رشوة من النظام العالمى بانسحاب جزئى قدره ٢١٪ من أرض الضفة الغربية.. كمقابل لسكوتهم على ضرب العراق.. إن الأمريكان بلجوئهم لهذه الضربة، سوف يخسرون كثيرا، وسيكونون مطالبين، إما بتعويض حقيقى للشعب العراقى وإنقاذه بالفعل من براثن هذا النظام، و تقديم معونات عاجلة غذائية وصحية ومشروعات حقيقية تعليمية وخدمات مختلفة.. أو ترك العراق لنظامه والعرب أصبحوا قادرين الآن على إدارة تعاملاتهم معه بدون تدخل خارجى..
وأصبح من الضرورى على النظام العالمى أن يكبح جماح شهوته للتدخل فى شئون البلدان العربية، وتوقيع عقوبات مستمرة على شعوبها مستغلين أخطاء الحكام .. فالعقوبات لم تؤثر على الحكام، بل زادتهم قوة، والتأثير الحقيقى وقع على الشعوب، فزادوا ضعفا أمام سلطات ديكتاتورية، فوقعوا ضحايا لعقوبات تفرضها أنظمتهم، والعقوبات القادمة من السلطات الخارجية فالشعوب العربية وسط هذا المناخ أصبحت فى حالة من الضعف السياسى والاقتصادى، أوقفت النمو الداخلى وحدت من طموحات أبنائها، وزادت من قبضة سلطة غاشمة.. ودفعت تيارات كثيرة من شعوبها لتبنى أفكار التطرف والهوس السياسى والدينى..
ونستطيع أن نقول بكل أمانة الضمير إن العرب أصبحوا فى حاجة ماسة لكى ينظر الغرب والأمريكان تحديدا لمستقبل المنطقة العربية بالكثير من العدل والتعامل الواقعى مع تطلعات شعوبهم لمسايرة التطورات العالمية والتغير الحادث على المسرح العالمى، ويكفى استمرار الضرب والمعاداة وتسلط الحكام والاستبداد والعسكريين وإسرائيل على مستقبل الشعوب.. لتحقيق مكاسب توظف لصالح الاقتصاديات الغربية، ومزيدا من استنزاف الثروات ودفع المنطقة والشعوب إلى سلوك تيارات الرفض وتوظيفهم كقوة للإرهاب والتطرف.. ثم إعادة استقطاب هذه التيارات وإعادة تصديرها بحجج عديدة كحقوق الإنسان وغيرها لصناعة القلاقل وخلق الإرهاب والتوتر والدخول فى دوامات الصراع المستمر الذى يعاد توظيفه ضد مصالح العرب وشعوبهم فى كل الأحوال.

