المقاومة المشروعة.. والتعرية الأخلاقية للاحتلال!

السؤال الذي لا يتوقف عربيا, هو هل ستدخل شعوبنا قفصا حديديا من الاحتلال, في ظل مناخ تفرض فيه القوة الكبري الحاكمة, ومعها جزء من الرأي العام العالمي, نزع سلاح المقاومة, بل وتجريم المقاومة نفسها عالميا باعتبارها إرهابا؟
ففي فلسطين أصبح ذلك شرطا وخطا أحمر للعودة إلي مائدة التفاوض, وأصبح مطلوبا من رئيس الوزراء محمود عباس( أبومازن) أن ينزع سلاح فصائل المقاومة, ويضع حدا للعمليات الاستشهادية, ثم إيقاف القتل بكل أشكاله, أما في العراق فقد تقدمت الولايات المتحدة إلي مجلس الأمن, وسوف تحصل علي موافقته علي شرعية الاحتلال, وتكوين حكومة مؤقتة في ظل سيطرة قوات التحالف الأنجلو ـ أمريكي علي مقدرات ومصير العراق الشقيق, كما أنه علي صعيد المنطقة, هناك تدخلات تكاد تكون سافرة لإعادة ترتيب الشام ودول الخليج, ورسم الخريطة, ليس جغرافيا, بل سياسيا, وذلك يتم علي قدم وساق, وهناك أجندة معروفة سلمت بطريقة سافرة, لأكثر الأنظمة ضعفا من ناحية المضمون, رغم أنها شكلا تتجمل بامتلاك القوة, فقد طلب منها الالتزام والتكيف مع المتغيرات.
كثيرون عربيا أصبحوا الآن يعرفون خريطة المنطقة الجديدة, وحركة المستقبل خلالها, في ضوء الوجود الأمريكي القوي في العراق, ومعظم دول الخليج, حتي إن إسرائيل الحليف القوي للولايات المتحدة هي الأخري يتغير دورها الإقليمي, ولن أقول إنه يتقلص وأن أهميته الاستراتيجية تتضاءل نسبيا في ضوء هذا الوجود الأمريكي المباشر.
كل هذه المتغيرات الكبيرة جاءت أسرع مما توقع المتفائلون من العرب, ويرجع ذلك لأسباب كثيرة, منها أن المنطقة أنهكت بالحروب والسياسات الخاطئة, لسنوات طويلة, فقد غاب عنها العدل وساد فيها تحكم القلة, وعوملت أو اضطهدت الشعوب طويلا, مما سهل للقوي الخارجية لتطرح عليها أفكارا تبدو إيجابية شكلا, ولكنها في العمق تعكس يأسا من الإصلاح في المنطقة العربية علي أيدي أبنائها, أو بمشاركة نخبها السياسية, التي أفسدتها نظم متخلفة واستبدادية, وظفت طاقات المجتمع وموارده سنوات طويلة, في حروب طواحين الهواء, التي أدت إلي تآكل أكبر ثروة نفطية في التاريخ, فذهبت مواردها إلي رمال الصحراء, عبر حروب لم تحقق لأصحابها أي هدف, أو عن شراء أسلحة لم تبن جيوشا, أو حتي بنية أساسية, هذه النظم ركزت علي المادة وتركت الإنسان, الذي هو أغلي ثروة للأمة, ليقع فريسة للتطرف بكل أشكاله, نتيجة غياب الأمل في حياة كريمة أو لضعف العقل, الذي قد يغنيه ويوظفه في حياة شريفة في ظل موارد متوافرة, ولكن هذا الإنسان العربي لم يجد طريقا إلا الهروب لماض قد يسعده أو لتطرف قد يوظفه في تنظيمات وجماعات أو أحزاب تحولت من إضعاف مجتمعاتها و
تهديد استقرارها داخليا إلي تقويض الاستقرار العالمي بعد أحداث11 سبتمبر2001, مما أحدث تحولا خطيرا في النظام العالمي ككل.
بعد كل هذا التحليل الوصفي الذي حرصت ألا يكون لي فيه رأي أو موقف, فهو مجرد تشخيص للتطورات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط, أري أن هناك قوتين تقفان متربصتين بشعوبنا, الأولي قوة خارجية جاءت لفرض النفوذ والسيطرة والاحتلال, مستغلة موقفا عالميا راهنا, أما الثانية فهي مجموعات من الماضي, من بقايا الحرب الباردة استغلتها القوي الكبري المختلفة, في حروبها, نتيجة أخطاء وسياسات إقليمية لا يمكن إنكارها لخلق واقع مؤلم وصعب علي شعوب حرة, ترفض التحكم والسيطرة وتنزع للحرية وتحقيق المصير.
فماذا ستفعل النخب الحية, والقوي الكامنة في شعوبنا لتواجه هذا المصير المعتم الذي يخيم علي بلادنا, من احتلال ومصادرة للمقاومة بكل أشكالها؟!
أعتقد وبكل صراحة أننا نملك الكثير, من عناصر المقاومة المشروعة, ويأتي في مقدمتها التعرية الأخلاقية للاحتلال, ففي اللحظات الصعبة والمصيرية تخلق الشعوب الكريمة أدواتها الخاصة وتستنهض قواها لإجبار المحتل, ليس علي الرحيل فقط بل علي احترامها كذلك.
وأول عناصر هذه المقاومة هو التنظيم الفعال للشعبين في فلسطين والعراق, لتتكاتف قواهما الداخلية, لنتجنب الحروب أو إشعال الفتن بين بعضهما البعض, ثم عدم السماح بتغلغل الأجنبي, لأن هذا الأمر سيفرض الاحترام وظهور النخب والجماعات والأفراد والأكفاء غير المتصارعين, وسيسقط كل دعاوي الاحتلال ومبرراته, كما أن ظهور نخب قادرة علي التفاوض والحوار, والدفاع عن مصالحها المشروعة, سيسقط أيضا كل أوراق التوت, التي تخفت وراءها قوي الاحتلال, التي تحاول أن تبرز ضعفنا.
إن نبذ عناصر التطرف والإرهاب وتحجيم دورها بالقانون, وبالعمل التعليمي والإعلامي والاقتصادي المنظم والفعال, سيفرض تغييرا جوهريا ويفتح الباب للتخلص من الاحتلال الأجنبي للعراقيين, ويقرر المصير ويساعد في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة للفلسطينيين, ولنتذكر أن أول عناصر هذه المقاومة المشروعة, هو كسب الرأي العام العالمي, بل حتي الرأي العام الإسرائيلي إلي جوار قضايانا العادلة, لتدرك أن القيم الإنسانية عامة والقيم الرفيعة خاصة موجودة, لدي كل الناس, وإذا فهمت وأدركت هذه الشعوب قدرتنا وصحوة مجتمعاتنا ستحجم القوي اليمينية والمتطرفين في بلادها, الذين استغلوا نقاط ضعفنا, وتواري خطابنا العقلاني, في ظل سيطرة المتطرفين وأصحاب الوجوه القبيحة لفرض أجندة يجب أن تكون مرفوضة من كل أصحاب الضمائر الحية في عالمنا وهي كثيرة.
أما باقي الشعوب والدول العربية, فهي في حاجة إلي صحوة سياسية واجتماعية لتبني نظاما سياسيا ديمقراطيا ومجتمعا مفتوحا, يتحمل فيه كل مواطن مسئولياته, ويحصل فيه الفرد علي كامل حقوقه, ويكون الجميع فيه أمام القانون سواء, دون أي باب للاستثناءات أو التمييز, وذلك يجب أن يقوم علي أساس ونظام اقتصادي يتيح لكل فرد حرية الحركة والإنتاج والإبداع علي قدر إمكاناته المادية والعقلية دون وصاية, أو تحجيم أو تقزيم طبقا للنفوذ أو نتيجة لسطوة الفساد أو ضعف القانون ومؤسساته.
هذا هو الأسلوب الوحيد لمقاومة فرض النفوذ الأجنبي والاحتلال وتعرية هذا المحتل أخلاقيا يتم بظهور قوة الإصلاح الداخلي وقدرة النخب المحلية والشعوب علي العمل المنظم والخلاق, والمقاومة المشروعة هي التي تكشف قدراتنا الكامنة علي التواصل مع الشعوب والمجتمعات والنظم العالمية المعاصرة, بنفس معاييرها لتدرك أننا قوة تستطيع المشاركة والحوار معها, وأنه لا يمكن أن نرضي بتهميشنا أو تجاوزنا.
