مقالات الأهرام العربى

قبل نهاية أغسطس وعطلة صيفية طويلة

تلجأ إسرائيل إلى القتل المباشر عندما تفلس سياساتها، وجريمة اغتيال ˜أبوعلى مصطفىŒ قيادى الجبهة الشعبية، تسير على ذات النهج والمنوال، بعد اغتيال الشيخ ˜جمال منصورŒ من حماس، الإفلاس الإسرائيلى ˜الشارونىŒ يتجه إلى الرموز، بعد احتلال بيت الشرق ضمن خطة متدرجة ومستمرة لشارون، وبن إليعازر وموفاز.

وأمامهم لائحة الحساب، كما يسمونها، حساب على أى شىء؟ إنه تصفية حساب تاريخى مع المنظمات الفلسطينية عبر سنوات نضالها منذ السبعينيات حتى الألفية الجديدة، اللائحة قديمة، وليست وليدة الانتفاضة الفلسطينية، لكن طوال سنوات الصراع الفلسطينى ـ الإسرائيلى، الذى أفرز مدريد وأوسلو، ثم أفرز الآن شارون وعصره.

إن قتل القيادات الفلسطينية رسالة لا تخطىء العنوان إلى ˜أبوعمار وشعث وعريقات والبرغوثىŒ، وإلى المفاوضين قبل المقاتلين ˜سنقتل الجميعŒ، بل إننى على يقين الآن ­ بعد احتلال بيت الشرق ­ من أن إسرائيل قتلت فيصل الحسينى، بطرق عديدة وربما بسم طويل المدى، وأتوقع أن تكون هناك مخططات لاغتيال وقتل حنان عشراوى، لأنها تجيد الحديث عن قضيتها أمام الرأى العام العالمى.

هناك جرائم مخططة ترتكب بواسطة عصابات ومافيا تسمى بأسماء عديدة مجلس الوزراء المصغر، والمطول وأجهزة الأمن، لكن المحرك هو ذات العقلية التى أنشأت الدولة، هى التى تخطط للتوسع وإقامة دولة إسرائيل الثانية، لقد تصور الجيل الحالى الذى يحكم إسرائيل أنه يمكن بعد أن هضم العالم والمنطقة، إسرائيل الأولى.. أن يبدأ المرحلة الراهنة بالانتقال إل التوسع، بسياسة الاستيطان والمستوطنين والمستوطنات بأشكال عديدة، والردع والتخويف للتهجير، وتخطى الاتفاقيات والمعاهدات والخروج على كل أسس وقوانين العالم، والاتجاه مباشرة إلى المافيا والعصابات والحرب الطويلة، مستغلا الغياب الدولى الناتج عن التقوقع والخوف الأمريكى، فالرئيس الأمريكى بوش الصغير مشغول وخائف ومرتعش، ولا يملك رؤية أو سياسة واضحة، ولذلك سلم بسياسة شارون، متصورا أن عمليات القتل و الإبادة حل مثالى لشعب يناضل بأرواحه فى سعيه المتواصل للحرية، بحثا عن أراضيه السليبة، والصورة الآن أن السياسة يحكمها شارون، بعد تغييب الجميع، وهزيمة الجميع، حتى إن بيريز الملهم لكل السياسات السابقة والمخطط مع رابين للسلام، أصبح مجرد معاون صغير لشارون، يستدعيه فى المكان والزمان المناسبين له، بل يتركه يتحرك ويتفاوض ويتكلم فى الفراغ، وكأنه صحفى أو تليفزيونى يكتب أو يتحدث، وليس لكلامه أى حيثية رسمية أو شىء من التوثيق، أو حتى الحد الأدنى من صلاحيات المسئول ­ حتى ولو كان ممثلا بارعا ­ وكأنه ليس وزيرا ­ ولو شرفيا للخارجية، أو أنه مازال حتى الآن رئيسا لأكبر حزب إسرائيلى، حكم الدولة أطول مدة، منذ إنشائها حتى الآن، هذا الشارون دانت له إسرائيل والولايات المتحدة، وأصبح هو الوحيد القادر على الحركة والفعل، والأهم الآن أنه لا يتكلم،

بل ترك الكلام لبيريز والخارجية الأمريكية، وأصبح هو الوحيد الذى يفعل ويتحرك على الأرض، وأصبحت تحركاته وحدها هى صاحبة التأثير، فهو يخلخل السلطة الفلسطينية، ويهددها بالرحيل، ويشل أيديها عن الحركة والعمل، حتى إذا بقيت ولم تتخذ قرارا بالرحيل، فستبقى بلا فاعلية، ونسى شارون أن الفاعلية الآن للشارع الفلسطينى، وكل سلطة أو منظمة، فقدت الإلهام والإبداع وتركته للشارع الفلسطينى، كما فقدت كل القوى السياسية العالمية والإقليمية قوتها وفعاليتها، وتركت شارون وحده فى الساحة يفعل ويتحرك، ويغير القواعد فى الأرض المحتلة كما يشاء، لتحقيق هدفه الوحيد الآن، وهو التوسع والاستيطان، ولو كان ذلك على حساب الشعب الإسرائيلى نفسه، ويتصور الإسرائيليون، أن شارون يعمل لحسابهم، ويسعى إلى جلب الأمن، فقد انتخبوه تحت وهم أنه سيحقق لهم الأمن بعد أن انهارت أوهامهم حول إمكان تحقيق السلام مع الفلسطينيين بالشروط الإسرائيلية، فإذا بشارون بذكاء الإرهابى والمتآمر يأخذ هذا التفويض من الشعب الإسرائيلى ويستخدمه استخداما آخر، هو إقامة إسرائيل الثانية، متوسعا، راكبا موجة العقاب والحساب والتأديب، وهو يناور، ويفرض مؤامرة جديدة مستغلا غباء وغياب القوى الإقليمية والدولية.

ومازلت أرى أن مواجهة شارون ضرورة حتمية عربية، ولعلى أقف أمام تشخيص عزمى  بشارة الفلسطينى، وعضو الكنيست الإسرائيلى، للموقف وهو ˜أن العرب أمام جنرال إسرائيلى مخضرم، وسياسى محنك، يعتقد أن خطوط هدنة 1949 غير عادلة، لكنها خرقت عربيا عام 1967، وأن حرب 67 توقفت قبل أوانها، وأن حرب 73 توقفت قبل أوانها، وأن حرب 1982 كانت ستنجز أهدافها، لو سنح لها المجال إسرائيليا، وأنه كان بالإمكان القضاء على انتفاضة 1987 بالقوة، كما يدعى أنه نجح فى قمع المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة فى السبعينياتŒ.

الفلسطينيون والعرب يتعاملون مع رجل وأيديولوجى يتقن التكتيك، وهذا مركب خطير لا تمكن مواجهته بدون إستراتيجية.

وإذا استطاع العرب فى نهاية عطلة صيفية طويلة فى أحد أصعب الأشهر منذ التسعينيات ˜أغسطسŒ أن يضعوا إستراتيجية متكاملة سياسية وإعلامية ميدانية على الأرض فسيكتشف الإسرائيليون أنهم سلموا قرارهم لجنرال عجوز مهووس، وسيصحو المجتمع الدولى على انهيار كبير، ومطارق ضخمة تبعث على الخوف من المستقبل، وستكون اليقظة طريقا للتغيير وتحقيقا للعدالة التى غابت طويلا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى