حول الأزمة لحظة الحقيقة للأفغان

حانت لحظة الحقيقة، دون أن تدرى بها طالبان وأسامة بن لادن، لاحظ أننى لم أذكر أفغانستان، فهناك فرق بين الاثنين، فالشعب الأفغانى لم يكن أبداً طالبان أو بن لادن، والأخيران هما رمز التطرف فى عالمنا المعاصر احتلا أفغانستان مستغلين الخلاف بين قبائله وجباله الشاهقة وطبيعته الصعبة، وما آلت إليه أوضاع البلد، بعد حربه الطويلة، وتمزق أفغانستان، ومد هذا التنظيم المتطرف والإرهابى جذوره فى هذه المنطقة الحساسة من العالم، ولم يكتف بسيطرته وإقامة دولة فى أفغانستان، بل أنشأ تنظيمات مماثلة فى كل بلد عربى وإسلامى، مستغلاً وجود عناصر هاربة أو منضمة للتنظيم من جميع البلدان الإسلامية، أو ما أطلق عليه اسم الأفغان العرب، وهكذا أصبحت هناك حكومات ظل متطرفة لكل بلد تهدد استقراره وتعبث بآماله، وتجعل بلادنا العربية والإسلامية كلها تحت تهديد التطرف والتخويف بقتل الزعماء والقادة، وتدمير الاقتصاد، وضرب مصالح البلدان الإسلامية، وجذب العامة ورجل الشارع بحجة أنهم التنظيم الذى يبحث عن مصالحهم بدل الحكومات المستغلة أو التى تحارب الدين أو الكافرة، وظل هذا التنظيم الأخطبوطى يستغل ظروف المنطقة العربية الصعبة، وكفاحها.
ولحظة الحقيقة التى أقصدها هنا أن الأفغانيين أصبحوا فى حاجة إلى الاستقرار، وظهور حكومة جديدة تضم كل طوائف الشعب الأفغانى، ولا تسمح بسيطرة قوى على قوى أخرى، كما لا تسمح بسيطرة دول الجوار ذات الأطماع المتعددة فى أفغانستان، وخير إنقاذ للأفغان من سيطرة الإرهاب والفقر، هو أن يراعى المجتمع الدولى ظروف هذا الشعب الذى وقع مطحوناً وعاش فريسة لأخطر آفات المخدرات والتطرف، والحروب المستمرة، وأن تتدخل الأمم المتحدة، وتعقد ـ بعد انتهاء التطرف والإرهاب فى هذا البلد ـ مؤتمراً لإنقاذ الأفغان، وفتح صفحة جديدة مع هذا الشعب المظلوم.
معركة خسرتها إسرائىل
خسرت إسرائيل معركة مهمة شنتها على العرب سراً، عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة الأمريكية، كان محور المعركة هو اتهام العرب وتحديداً الفلسطينيين بالإرهاب والزج بهم فى مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارهم فى قائمة الأعداء المحتملين، فى محاولة للإيهام بأن كل المنظمات الفلسطينية التى تقاوم الاحتلال مقاومة مشروعة هى منظمات إرهابية..
أرادت إسرائىل تصوير الفلسطينيين على أنهم سعداء بما حدث فى نيويورك وواشنطن، فكان عرفات حصيفاً وذكياً، فذهب للتبرع بالدم من أجل الضحايا الأمريكيين، فى رد فعل عفوى، ووقف أبناء الفلسطينى دقيقة حداداً على الضحايا، وأعاد الرئىس الفلسطينى شرح موقفه فى بيان دقيق عن السلام والاستقرار وقبوله بالتعايش ورفضه للعمليات الإرهابية وقتل المدنيين، وهكذا نجح بامتياز مثلما نجح وبقوة الرئيس بشار الأسد، والقيادة اللبنانية كانت حكيمة، فقد حددت فى خطابات ورسائل واضحة تأييدها للولايات المتحدة فى معركة الإرهاب بلا شروط، بل ذهبت خطوة أكثر من التأييد، وطالبت بالجلوس معاً لوضع أسس للتعاون العالمى لمنع تكرار ما حدث فى واشنطن ونيويورك فى كل مناطق العالم.
وكان تأثير رسالة بشار الأسد إلى بوش عميقاً على الإدارة الأمريكية كما عبر عن ذلك باول، وكتب إدوارد ووكر أن كلماته ـ يقصد الرئيس الأسد ـ أثارت مشاعرى وهذه ليست مجاملة عابرة.
وكان لدولة الإمارات والسعودية موقف بارز حيث سحبتا اعترافهما بحركة طالبان، وبالتالى أصبحت حركة ليس هناك فى العالم من يعترف بها، وتحركت دول مجلس التعاون الخليجى لتتخذ موقفاً واضحاً من الإرهاب والتطرف.
وكان موقف الشعوب الإسلامية من إيران إلى تركيا وباكستان كاشفاً عن أن كل العالم الإسلامى والشعوب العربية لا يمكن أن تقبل الإرهاب وسياساته.
الأمر الذى جعل الولايات المحتدة تتحلى بالدقة وتفرق ما بين التطرف والإرهاب، وبين حركات التحرر ومقاومة المحتل وتتكشف الحقيقة التى سيكون لها تأثير كبير فى مستقبل الشرق الأوسط، بل فى العالم فى المرحلة القادمة.
حكمة مصر
الشعوب القديمة والقادة الكبار تظهر كفاءتهم ومقدرتهم فى الأزمات الدولية والصعبة.
ومنذ أن تفجرت أحداث 11 سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة، والعالم يعيش مخاضاً مختلفاً، يمهد لميلاد جديد، فقد تفجرت الأحداث بانهيار مركز التجارة العالمى فى نيويورك والهجوم على البنتاجون، حيث تحولت الطائرات المدنية إلى قنابل تأثيرها يعادل تأثير القنابل الذرية، وسقط الضحايا بالآلاف والخسائر بالمليارات. إن الحضارة المعاصرة بالرغم من ضخامة نموها، ورفاهيتها المتزايدة، معرضة للانهيار السريع، بل التدمير الشامل، إذا تعرضت للإرهاب والتخريب، ولا يخفى على أحد أن القنابل الذرية وأسلحة الدمار الشامل المخزونة فى قدرتها التدميرية واسعة النطاق ومن الممكن أن تعيد البشرية وتقدمها إلى العصور الحجرية القديمة أو البدائية لقد كان حادث واشنطن ونيويورك، بروفة صغيرة، رغم ضخامة الحادث، وفداحة خسائره إذا تولى مقاليد الأمور فى عالمنا المجانين والمتطرفون هواة التدمير الشامل.
فجأة اكتشفت الشعوب أن ما حدث لأمريكا لم يصبها وحدها، بل إنه مقدمة تكشف خطورة الإرهاب وتفكيره الضال فى إبادة الحياة المعاصرة، والعودة بنا إلى سيرتنا الأولى.
فهؤلاء المتطرفون لا يرون فى ا لحضارة الإنسانية، إلا وجهها القبيح، وبدلاً من العمل معنا لجعل الحياة أفضل، فهم يروون أن الأفضل لهم هو تدميرها، فى هذه اللحظات والأيام الحرجة، يختبر معدن الشعوب حيث ظهرت حكمة مصر الدولة العريقة، واستطاع الرئيس حسنى مبارك بحكمته وبعد نظره ورؤيته الثاقبة، التعبير عن قدرة وحكمة مصر ببراعة واعتدال، فمنذ اللحظة الأولى، كشف خطورة الإرهاب والتطرف ومعاناة مصر معه، وطالب بمعاقبة المتطرفين، وملاحقتهم فى كل مكان من العالم، كما طالب بتوحيد العالم ضد الإرهاب، وليس تقسيمه، فلن يكون هناك أحد مع الإرهاب والتطرف، وأثبتت الأحداث أن العالم رغم اختلافه وتنوعه، توحد ضمن الإرهاب والتطرف، واستطاع بحكمته التعبير عن سماحة الإسلام واعتداله ورفض ما حاول المتطرفون وأعداؤنا إلصاقه بالشعوب الإسلامية وذلك بحركته الدءوب ولقاءاته المثمرة، ووحد الشعوب العربية والإسلامية، وتغلب على المناورات المحلية والإقليمية والمناوئة التى أرادت تغييب الحقيقة، وجسد الرؤية الواضحة الناصعة للعرب والمسلمين وتوحدهم ضد التطرف والإرهاب.
بل إن الرئيس مبارك بحكمته ورؤيته الثاقبة شرح للعالم أن استمرار القضية الفلسطينية، ومعاناة الشعب الفلسطينى يمثل تربة خصبة للقلاقل وتشجيع التطرف والإرهاب، وطالب بتجفيف منابع التطرف والإرهاب وحل هذه المشكلة على أسس عادلة.
واستطاع بعمل دءوب ومستمر الفصل الكامل ما بين الإرهاب والتطرف باعتباره عملاً غير مشروع، ومقاومة الاحتلال باعتباره مقاومة مشروعة للمغتصب والمحتل.
حقيقة الأمر أن إدارة مصر الذكية للأزمة وحكمة وبراعة مبارك فى التعامل معها أكدت أن الأزمات والمحن هى المحك الحقيقى الذى يحكم على قدرة القادة، ومعدن الشعوب.

