مقالات الأهرام العربى

حال العرب ومستقبلهم

بلدان غنية بالبترول والثروات الطبيعية المختلفة وشعوبها تملك ميراثاً ثقافياً ودينياً ولغوياً، قلما تملكه ثقافة أخرى، غير أنها مع ذلك تعانى الفقر ˜المستوطنŒ والصراع العرقى.

تخلصت هذه الشعوب من الاستعمار منذ سنوات بعيدة، لكنها لم تستطع التخلى عن حكامها الأوتوقراطيين، ملوكاً ورؤساء، إلا بوفاتهم، كما أن انتخاباتها هزيلة وسخيفة، ونصف سكانها تتم معاملتهم بأدنى معاملة قانونية واقتصادية، وأكثر من نصف شبابها يعانون البطالة، وبدأوا يتخلصون من التقاليد الدينية المحافظة، ويقولون إنهم يريدون الخروج من هذه ˜المنطقةŒ بأسرع ما يمكن.

بهذه الكلمات قدمت وسائل الإعلام العالمية التقرير الذى أعلنته الأمم المتحدة عن أوضاع العالم العربى حول التنمية الإنسانية، وأطلقت عليه هذا الاسم لشموله على التنمية البشرية، ويرجع ذلك المسمى إلى أن الإنسان هو محور الحياة، وليس عجلة للتنمية الاقتصادية وحدها.

فبدون إنسان قادر صحياً وعقلياً وعلمياً، لن يستطيع أن يكون غير منتج فقط، بل ليس إيجابياً للحياة ككل، وتلك حالة أوضاع الإنسان فى عالمنا العربى، هذا التقرير رغم أن قراءاته السريعة تشير إلى أنه محبط ويدعو للتشاؤم، من مستقبل العرب، فإنه فى حد ذاته يعتبر صرخة حقيقية للضمير العربى لكى يستيقظ من سباته العميق، لكى يدرك أبعاد حالته الراهنة، وكيفية الخروج من هذا النفق المظلم، إننى لن أتدخل لكى أصف الأوضاع ولكننى سأترك التقرير يتحدث عن حالنا.

ولن أستطيع أن أقف فى صف المتفائلين، الذين يقولون إن مجرد التشخيص وظهور هذا التقرير المظلم إلى النور يعنى أن هناك تغييراً مرتقباً، فكثير من أوضاعنا وحالاتنا معروفة ومرصودة لكن المشكلة تكمن فى غياب الحل والعلاج، وكأننا مصابون دائماً بالشلل عندما نريد اتخاذ الخطوة الأولى لعلاج تراكم المشكلات الدائمة، وعادة ما نقول إن المعرفة وحدها ليست طريق العلاج، لكن إرادة الخروج من الأزمات والتصميم هى التى تنقصنا وكأن أوضاعنا المتفاقمة تزيد من حدة الأزمات وتجمدها.

وإذا كنا سنشترك فى موائد للعشاء من المغرب إلى الخليج وفى مصر، لنناقش كيفية الخروج من الأزمات المتراكمة، والأسباب التى أدت إلى هذا الوضع السىء، فإننا سنترك للتقرير وصف حالتنا وسنبدأ بنقاط القوة لننسى قليلاً نقاط الضعف، ومع الأسف فإن نقاط القوة لا تشغل سوى حيز ضئيل، بينما نقاط الضعف هى كل التقرير بما يفسر لماذا عالمنا العربى يسير فى الاتجاه الخاطىء؟

نعود للأرقام على مدى السنوات العشر الماضية، لقد سجلت تقارير مؤشرات التنمية الإنسانية البشرية نسبا معينة من التحسن فى متوسط العمر المتوقع وارتفاع متوسط العمر 15عاماً على مدى العقود الثلاثة الماضية وانخفاض معدل الوفيات بين الأطفال إلى حوالى الثلاثين وزيادة نسب التسجيل فى المدارس والحد نسبياً من أمية البالغين.

وحتى هذا التطور الإيجابى، قد يتحول من نعمة إلى نقمة فهو تعنى تحولاً أو تغييراً فى الهيكل الإنسانى بما يشكل عبئاً إضافياً على الانفجار السكانى، عندما يصلون إلى سن العمل، ولم تتح لهم الفرص الاقتصادية والسياسية والإبداعية، حيث تعود المنفعة على المجتمع بأكمله، أما إذا ظلوا محرومين من فرصهم الاقتصادية فلن يجدوا عملاً، وبالتالى سيحرمون من فرصهم السياسية، وبالتالى لا يستطيعون الإسهام فى تحقيق ذاتهم أو التأثير فى القرارات التى تنعكس على حياتهم، هنا يتحول الأثر الإيجابى المحدود إلى نقمة إذا رصدنا أن العالم العربى يعنى 22 دولة ويبلغ عدد سكانه 280 مليون نسمة، وهم تقريباً عدد سكان الولايات المتحدة، أكبرهم مصر 68 مليون نسمة، وأصغرهم قطر 565 ألف نسمة، والمنطقة بها أكبر نسبة من الشباب فى العالم 38 من العرب تحت عاماً، ومن المتوقع أن يبلغ عدد السكان أكثر من 400 مليون نسمة خلال 20 عاماً، ويصل إجمالى الناتج القومى فى العالم العربى إلى 531 مليار دولار أقل من إجمالى الناتج القومى فى أسبانيا، نسبة الفقر متفاوتة عربى من بين خمسة مازال يعيش على أقل من دولارين يومياً.

وعلى مدى الأعوام العشرين الماضية كان النمو في الدخل لكل فرد لم تتجاوز نسبته  0,5 سنوياً، وهى أقل نسبة فى أى مكان آخر فى العالم فيما عدا إفريقيا جنوب الصحراء، وبهذه النسبة الضئىلة سوف يستغرق العرب 140 عاماً لمضاعفة دخلهم، وهو هدف يبلغه الكثير من المناطق فى عالمنا المعاصر فى أقل من 10 سنوات، إن هذا النمو شبه الراكد مع النمو السكانى السريع يعنى البطالة الكاملة وغياب العمالة، حوالى 12 مليون نسمة، %15,1 من  القوى العاملة من المتعطلين، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 25 مليون نسمة مع حلول عام 2010.

تقرير التنمية البشرية أو الإنسانية الذى وضعه خبراء عرب وليسوا أجانب، يقول إن العائق أمام أداء عربى أفضل ليس فى افتقار الموارد، ولكن لغياب ثلاثة أسباب أساسية هى ا لحرية والمعرفة ووضع المرأة.

غياب الحرية والحريات هنا ليست سياسية فقط رغم أهميتها، لكن الحرية بكامل مشتملاتها حرية الاقتصاد والرأى والتعبير والتنظيم، أى حريات الإنسان الأساسية.

وبقاء الاوتوقراطيات المطلقة، وشيوع الانتخابات المزيفة والخلط بين السلطة التنفيذية والقضائية، وفرض قيود على الإعلام، والمجتمع المدنى، وخنق البيئة الاجتماعية، يجعلنا واقفين فى المكان نفسه الذى نعانى منه حالياً وسنظل أغنياء بالزخارف الخارجية للديمقراطية إذا لم تتم انتخابات بنزاهة وتوقيع معاهدات حقوق الإنسان، وكأن الموجة الكبيرة للديمقراطية التى أدت إلى انفتاح كثير من العالم على مدى 15 عاماً الماضية يبدو أنها تركت العرب بدون أى تغيير، لقد كان يتم تقديم الديمقراطية أحياناً ولكن باعتبارها مساومة وليس حقاً كما أن نقل السلطة من خلال صندوق الاقتراع ليس ظاهرة شائعة فى العالم العربى، علاوة على أن كبار الموظفين فى الدولة من الوزير إلى الخفير، نادراً ما يتم تعيينهم أو اختيارهم علي أساس الجدارة ويحصل الناس على الوظائف ليس بسبب ما يعرفونه ولكن بسبب الذين يعرفونهم، والنتيجة سلطة مركزية ساكنة لا تتحرك، وسلبية لا تملك أية مرونة أو استجابة للأحداث، من هنا تم الحد من حرية التعبير والمشاركة السياسية.

فالمجتمع المدنى غائب، وأمامه طريق طويل يحتاج إلى المضى فيه، والمنظمات الأهلية تواجه عوائق قانونية وحكومية فى طريقها، وضعتها الحكومة ارتيابا فيها، وهى نفسها تعانى أيضاً الضعف الداخلى وتحصل عادة على التمويل من المصادر الأجنبية، مما يجعل نشاطها مريباً، فيتلاشى هدف إنشائها.

أما المعرفة، فحدث ولا حرج، وإن كان يبدأ التقرير بكلمة على بن أبى طالب ـ كرم الله وجه ـ التى قالها فى القرن السادس، إذا أراد الله إذلال بشر فإنه يحرمه من المعرفة، وهذا ما حدث للعرب بالرغم من أن العرب ينفقون أعلى نسبة من إجمالى الناتج القومى على التعليم أكثر من أى منطقة نامية أخرى فى العالم، إلا أن عائده محدود، مما يعنى أنه لا يتم إنفاقها بصورة جيدة، فالتعليم يتدهور وهناك سوء توافق بين سوق العمل ونظام التعليم، ومع انخفاض أمية البالغين فإنها مازالت عالية جداً، 65 مليون أمى بالغ أغلبيتهم من النساء وحوالى 10 ملايين طفل لم يدخلوا المدرسة، و0.6 فقط يستخدمون الإنترنت و 1,2 لديهم كمبيوتر شخصى، من هنا كانت ندرة الإبداع والابتكار بين العرب فى العصر الحديث.

أما وضع المرأة، فإن التقرير يعترف بأن العالم العربى لا يعامل المرأة باعتبارها مواطناً كاملاً ويتساءل كيف يحققون مجتمع الرخاء فى حين أنهم يخنقون نصف طاقته الإنتاجية، ومازالت امرأة من كل اثنتين لا تعرف القراءة والكتابة، ويعتبر اشتراك النساء فى الحياة السياسية والاقتصادية لبلادها أقل اشتراكا فى العالم.

هذا الإخفاق الكبير نحن مسئولون عنه، نتيجة سياساتنا الخاطئة، ويجب أن نعترف بذلك، ولا نبحث عن ˜شماعاتŒ أو مؤامرات لتحميلها المسئولية.

ويجب أن نفتح الحوار حول مستقبلنا وندرس أرقام وتشخيص هذا التقرير بكل حرية، ولا نكتفى بالدراسة ولكن بالبحث العلمى الدؤوب والدقيق للخروج من هذا النفق المظلم.

وذلك موضوع طويل ومستمر ومفتوح ولن ينتهى، لأنه ببساطة مستقبلنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى