السلام بين فريدمان بقناع بوش وعرفات

بقلم : أسامة سرايا
فى الوقت الذى نشر فيه الكاتب الأمريكى توماس فريدمان كعادته فى الهيرالد تريبيون رسالة الرئيس بوش إلى الزعماء العرب الرئيس حسنى مبارك والأمير عبدالله بن عبدالعزيز، والملك عبدالله الثانى، والرئيس بشار الأسد، وباقى الزعماء العرب يطالبهم بأن تضع القمة العربية فى بيروت خطة للسلام كان الرئيس عرفات ينشر فى الفايننشال تايمز رؤية معمقة تكشف عن أن لدى الفلسطينيين رؤية للسلام مع العدل وإذا ناقشنا الرؤيتين ستظهر لنا نقاط الخلل أو نقاط الضعف، ليس فى الموقف الإسرائيلى فقط، لكن أيضا فى الموقف الأمريكى،
ولنتناول نقاط الخلل مباشرة قبل أن نغوص وراء الرؤيتين، فسنجدها ممثلة فى خطاب بوش الذى كتبه فريدمان، حيث أشار فى صدر رسالته إلى أن العرب يعتقدون أننا أى الأمريكيين إذا ضغطنا على الإسرائيليين، فإنهم سيتراجعون عن موقفهم، وينفذون كل طلبات الفلسطينيين ويقول الكاتب الناصح الأمين أنتم مخطئون، لأن ميزان القوى ليس بيننا وبين إسرائيل، لكن بينكم وبين إسرائيل، وهنا مربط الخطأ، فنحن العرب نقيم سلاما بين الشعوب، والسلام لا يصفه أو يحدده ميزان القوى، لكن العدل، كما كتب واستفاض الرئيس عرفات أما الخلل الثانى، فهو قيام الكاتب بتوجيه النصح فى اجتماع القمة العربية فى مارس القادم، بأن نصدر قرار قمة بسيطا يقول نحن الدول الـ 22 أعضاء الجامعة العربية نقول لإسرائيل إنه مقابل الانسحاب الإسرائيلى الكامل إلى خطوط 4 يونيو 1967 فى الضفة الغربية وغزة والقدس ومرتفعات الجولان،
نقدم الاعتراف الكامل لإسرائيل والعلاقات الدبلوماسية، وتطبيع التجارة، والضمانات الأمنية، سلام كامل مع كل الدول العربية الـ 22 مقابل الانسحاب الكامل ويتصور الكاتب أنه عقب هذا التصريح أو القرار العربى سيتم دفن أسامة بن لادن وتعريف العالم من هم العرب ويسأل ويجيب فى ذات الوقت هل إذا فعلنا ذلك يمكن أن نضمن أن إسرائيل ستستجيب بشكل إيجابى؟ ويقول لا لا يمكن أن أضمن ذلك، والإجابة هنا على لسان جورج دبليو بوش الرئيس الأمريكى الذى يقود العالم الآن فى حرب طاحنة ضد الإرهاب العالمى ماذا يريد أن يقول فريدمان أو بوش؟ لقد اختلط الأمر علىّ،
هل يريدان أن يقولا إن أمريكا ضعيفة أمام إسرائيل وإرهابها، وأسد فقط أمام المتمردين فى كهوف تورا بورا، وأنها تضع أجندة الإرهابيين المرتقبين أو محور الشر كما يسميهم العراق وإيران وكوريا الشمالية، فى حين أنها لا تستطيع أن تضمن التزام حليفتها الإستراتيجية الأولى، بقواعد السلام، وكيف يستقيم الأمر بأن أمريكا تستطيع أن تضغط بقواتها على 22 دولة عربية، لكى تلتزم؟ بينما تعجز عن الضغط على الدولة الصغيرة حليفتها ولا تضمنها؟ أى سلام هذا وأى خلل تكشف عنه هذه الرسالة المتهافتة؟ وكيف يمكن أن يواصل عمليات إغرائه وكأنها عملية إستربتيز رخيصة، يقول يا رجال أنتم تعلمون أن عملية السلام أكبر بكثير من الإسرائيليين والفلسطينيين، فهى أيضا غطاء ومحرك لكل القوى التقدمية فى العالم العربى التى تريد التكامل والتحديث،
وبدون عملية السلام، كل هذه القوى ستتفكك، وهذا هو ما يفسر حسب وجهة نظره، احتياجكم جميعا للسلام، أكثر من الإسرائيليين والفلسطينيين، ويتنصل بوش وفريدمان من عملية السلام كلية فى نهاية رسالته بقوله إن المستقبل فى أيديكم وليس فى يدى حظ سعيد بوش أما الرئيس عرفات فكان أكثر صدقا ودقة، وكأنما تماسك شعبه وتضامنه معه ضد الحصار والحرب الإسرائيلية قد أكسب ذهنه دقة ووضوحا، وجاءت كلماته شفافة وتعكس البصيرة والصدق، ونلخصها فى عدة نقاط إنه فسر مناخ دائرة العنف وإراقة الدماء، بما جعل الكثيرين يعتقدون أن السلام مستحيل، وهى أسطورة خلفها تجاهل الموقف الفلسطينى، وحان الوقت أن يصرخ الفلسطينيون وأن يسمع العالم بوضوح وفى البداية دعونى أكون أكثر وضوحا، فإننى ياسر عرفات أدين الاعتداءات التى تقوم بها الجماعات الإرهابية ضد المدنيين الإسرائيليين،
وأن هذه الجماعات لا تمثل الشعب الفلسطينى أو تطلعاته الشرعية للحرية، فهى منظمات إرهابية، وأنا مصمم على إنهاء نشاطاتها وجهة النظر الفلسطينية فى السلام تتمثل فى قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للنمو على الأراضى التى احتلتها إسرائيل والعيش كدولة مجاورة تتساوى مع إسرائيل فى السلام والأمن، لكل من الشعبين الإسرائيلى والفلسطينى فى عام 1988 تبنى المجلس الوطنى الفلسطينى قرارا تاريخيا اعترف فيه بحق إسرائيل فى الوجود على %78 من الأماكن التاريخية لفلسطين، مع تفهم أنه سيتم السماح لنا بالعيش فى حرية على الـ %22 المتبقية التى كانت تحت الاحتلال الإسرائيلى منذ عام 1967 إننا نسعى إلى حل عادل لأزمة اللاجئين الفلسطينيين المستمرة منذ 54 عاما الذين لم يتم السماح لهم بالعودة إلى وطنهم، مع تفهم لقلاقل إسرائيل الديموجرافية،
وتفهمها لحق العودة المكفول للفلسطينيين وفقا لقرار الأمم المتحدة 194 وإذا كنا سنكون واقعيين متفهمين لرغبات إسرائيل الديموجرافية، فعليهم أن يدركوا أن حل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى لا يمكن أن يتم فى ظل تجاهل الحقوق الشرعية للمدنيين الأبرياء، وأن قضية اللاجئين إذا لم تحل ستقوض أى اتفاقية سلام دائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأن السلام ليس اتفاقية موقعة بين أفراد، فهو تصالح بين شعبين والشعبان لا يمكن أن يتصالحا، عندما يطلب أحدهما السيطرة على الآخر، وعندما يرفض معاملة الآخر كشريك فى السلام، أو عندما يستخدم أحدهما منطق القوة بدلا من قوة المنطق إن الفلسطينيين لديهم وجهة نظر عن السلام، إنه سلام قائم على النهاية الكاملة للاحتلال والعودة إلى حدود 1967،
ومشاركة كل القدس باعتبارها مدينة مفتوحة، وباعتبارها عاصمة للدولتين فلسطين وإسرائيل، إنه سلام دافىء بين متعادلين، يتمتعان بتعاون اقتصادى واجتماعى مفيد ومتبادل يختتم عرفات إنه بالرغم من القمع الوحشى الإسرائيلى للفلسطينيين فى العقود الأربعة الأخيرة، فإننا مستعدون لإنهاء الصراع بالجلوس مع أى قائد إسرائيلى، بغض النظر عن تاريخه للتفاوض حول إنهاء الاحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية، وضمان الأمن لإسرائيل، وإيجاد حلول مبدعة لأزمة اللاجئين، واحترام قلق إسرائيل من تزايد النمو السكانى للفلسطينيين، أو ما يسمى بالقنبلة البشرية الفلسطينية، كما تراها إسرائيل يستطرد عرفات سنجلس كمتعادلين، وكشركاء وليس أقل من ذلك، لأننا نطالب بحل عادل ولن نجلس كأمة مهزومة، فبالرغم من هيمنة إسرائيل العسكرية، فإننا نمتلك شيئا أعظم وهو قوة العدل صدقت يا عرفات وكلماتك عين العقل والحكمة أسامة سرايا

