مقالات الأهرام العربى

إذا كانت أمريكا ترغب فى إعادة تشكيل العالم فيجب أن تبدأ بإسرائيل خريطة الطريق

 

بقلم : أسامة سرايا

تمزج بين المصير العادل والمنطقى وقوتها تأتى من أنها تحوز على التأييد بدءاً من شرعية الأمم المتحدة إلي موارد الاتحاد الأوروبى، ثم عمق روسيا الإستراتيجى والمطلوب الآن هو إضافة المحتوى النهائى، أى قوة الولايات المتحدة نتحفظ على الحرب كأداة للتعبير فى منطقة الشرق الأوسط، ونرى أن إشاعة السلام عملية جوهرية على كل الأصعدة، جغرافياً وزمانياً، فى فلسطين والعراق والأنظار الآن تتجه إلى العراق مسرح الحرب القادمة، أو التغيير المنتظر، أيهما يسبق الآخر، كيف سيكون وما حجم الخسائر المتوقعة؟ وهل الحرب هى الطريق السليم، لاستكمال حرب الإرهاب؟ والوصول بالعالم إلى الاستقرار وبر الأمان، أما أنها تؤجج الصراع؟ تساؤلات عديدة، لعل الأمريكيين والأوروبيين معاً غير قادرين على الإجابة عنها، أما شعوب الشرق الأوسط، فقلوبها موزعة ما بين رفض الحرب، ورغبتها فى حل مشكلة الشرق الأوسط كما أنها تريد التجاوب مع المجتمع الدولى فى الوقت الذى تخشى فيه النزعة العدوانية الأمريكية سوف يشهد تاريخنا المعاصر،

على أن الأزمة العراقية، كان من نتيجتها تحرك سياسى إيجابى إقليمياً، فساحة الشرق الأوسط تشهد الآن اجتماعاً فى اسطنبول فى تركيا بحضور الدول الست الإقليمية المهتمة بالأزمة، وتداعياتها، وهذا اللقاء يعد خطوة صحيحة، هى الأولى من نوعها فى الشرق الأوسط، ولن تكون الأخيرة، ولعل مشاركة مصر والسعودية والأردن وسوريا مع تركيا وإيران فى هذا الاجتماع كخطوة هائلة،

ستذكر الولايات المتحدة وأوروبا بأن هناك مركزاً إقليمياً له ثقل وتأثير على مجريات الأحداث الخاصة بالشرق الأوسط، وأنه لا يجب تهميشه، فمشاركته الرأى ستكون نتيجتها المباشرة هى الوصول إلى قرار صائب وبالرغم من عدم اتفاق أوروبا وأمريكا تماماً، فى السياسة الدولية الآن، فإن المؤتمر الإقليمى سيكون فرصة للحل، والخلاف بين دول الاتحاد الأوروبى وأمريكا لا يحتاج إلى دليل، فأوروبا تدبر الأمور بحكمة، أما الولايات المتحدة فتريد التغيير الشامل فوراً، لأن الأمريكيين، افتراضيون، يرون العالم بفجاجة تصل إلى حد السطحية، بينما الأوروبيون ينظرون إليه من خلال عدسات السياسة شبه الواقعية، ويدركون أن الصورة سوداء عالمياً، هذا الانقسام ليس بين الحكومات فقط، ولكن فى الشارع أيضاً،

وهو أمر يعكس إلى أى حد وصلت الحال عبر الأطلسى بين الحلفاء، وهى حال تتعلق بالقوة النسبية، خاصة إذا كانت تأخذ فى الاعتبار التاريخ والجغرافيا ولعلى أتفق مع وصف كاتب أمريكى هو ˜فيليب استيفنزŒ عندما كتب في الفايننشال تايمز واصفاً الأوضاع الشرق الأوسط، خاصة الآراء المتناقضة بشأن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فهو يرى أن إدارة جورج بوش إذا كانت تملك قوة تشكيل المستقبل، فإنها تفتقر إلى الحل السياسى،

كما أن الحكومات الأوروبية لديها الطموح، ولكنها لا تملك الوسائل لتحقيقه إن رفض بوش استخدام النفوذ الأمريكى للبدء فى عملية السلام فى الشرق الأوسط، التى تحتضر سيؤدى إلى خسائر إستراتيجية مهمة على الإدارة الأمريكية بشكل عام، وعلى الرئيس شخصياً بشكل خاص وحيث أن المزاج الشعبى فى أوروبا يتشدد ضد الحرب بقيادة الولايات المتحدة ضد صدام حسين،

فمن الواضح أن كثيراً مما هو مرئى يبدو وكأنه مناهض ˜للأمركةŒ لكنه يتحول الآن ونستطيع أن نقول عنه إنه مناهض للبوشية حتى فى بريطانيا يحاول تونى بلير بصعوبة تغيير صورة الرئىس بوش ˜الكاريكاتيرية التى يظهر فيها كرجل من تكساس يحمل مسدساً، لأن بلير يعرف تماماً أنه بالرغم من قدرة أمريكا العسكرية، فإنها لاتزال وستظل فى حاجة إلى المساعدة من أصدقائها،

ويقول إنه لا يجب محاكمة بوش بسبب البيانات البلاغية التى يصدرها الصقور فى الإدارة الأمريكية، ويرى بلير صورة مختلفة لبوش قائلاً علينا أن نقوم بتغيير قناة التليفزيون عندما يظهر ˜رامسفيلدŒ على الشاشة، ونبحث عن كولن باول فى قناة أخرى، فإن حكمنا على الرئيس بوش يجب أن يتوقف عند أنه أذكى وأكثر حرصا فى اتخاذ القرارات بأكثر مما يبدو عليهŒ قد يكون لتونى بلير هدف من هذا التصريح، ولكن لا أحد يشاركه هذا الرأى حتى داخل حكومته، وليس خافياً على أحد أن رئيس الوزراء البريطانى يقتسم الاستياء والرفض وأحياناً، الغضب المكتوم مع زملائه الأوروبيين الآخرين،

نتيجة رفض واشنطن العودة إلى عملية السلام فى الشرق الأوسط إن بوش الراغب فى شن حرب شاملة ضد العراق، يبدو وكأنه غير قادر أو حتى راغب في تطبيق الضغط المعتدل على حكومة آرييل شارون الإسرائيلية وتوجيه أى اتهام إليها بالرغم من أنه رفض سياسة الاغتيالات الإسرائيلية للفسطينيين، والتفجيرات فى إسرائيل فإن السلام يتطلب التفاوض لكن الواضح الآن أن واشنطن تبدو وكأنها متنافرة، وضد نفسها، وتبدو لكثير غير مفهومة،

بل تبدو وكأنها تلعب ضد المصالح الأمريكية نفسها، فالوطن الأمريكى لن يكون آمناً ولن تكون احتياطيات البترول آمنة، إلا عندما يحل الاستقرار الإستراتيجى وتعم الديمقراطية على المنطقة، وفى اعتقادى أن إعادة تنظيم الشرق الأوسط يجب أن تبدأ بإسرائيل أولاً، فغزو العراق لن يحقق الطموح الأمريكى، ولكن، كما يكشف الأوروبيون أنفسهم، فإن الغزو سيفقد المنطقة استقرارها وإذا كان المحافظون الجدد، الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً بأن هدفهم هو جذب الأشياء إلى أسفل من أجل إعادة بنائها،

وهنا يقع الجميع ضحية قصر النظر السياسى، فإن الاحتلال الأمريكى للعراق لا يمكن أن يصمد تحت أى وضع، فالاستقرار الوحيد فقط يكمن فى إيجاد تسوية عادلة في فلسطين، وكان الرئيس الأمريكى قد اعترف بذلك عملياً فى يونيو من العام الماضى، عندما قال إن الحل فى الشرق الأوسط يكمن فى وجود دولتين إلى جوار بعضهما البعض، تتعايشان فى سلام، وطالب بانسحاب إسرائيلى والاعتراف بالدولة الفلسطينية الجديدة، مقابل تأمين حدود إسرائيل واعتراف العرب بحقوقها فى العيش بسلام،

وهذا ما وافق عليه العرب فى قمتهم فى مارس من العام الماضى فى بيروت، موافقة جماعية، وتأمين قيام دولة للفلسطينيين تقوم على مبادىء الديمقراطية الليبرالية اقتصاداً وسياسة وهذا ما تقوم به السلطة الفلسطينية حالياً من إصلاحات وتغييرات فى ظل ظروف صعبة واحتلال بغيض، والوضع الشائك تحت الاحتلال، وكأن كثيرين فى إسرائيل وضعوا العصا فى موتور سيارة السلام انتظاراً أو إصراراً على سقوط ياسر عرفات قبل أية مفاوضات وبقى عرفات، ومرة أخرى أخفقت تل أبيب عندما سارت على نفس المنهج الاعتراضى عندما سعى شارون لتدمير مؤتمر لندن حول الإصلاحات الفلسطينية، فقد مضى المؤتمر قدماً على الرغم من اعتراض إسرائيل على سفر الوفد الفلسطينى إلى لندن نتيجة أن بلير يفهم القواعد الإستراتيجية للسياسة العالمية أما الفلسطينيون فيجب عليهم أن يفهموا أن الشىء الوحيد الذى يقويهم أمام الأمريكيين والأوروبيين هو تماسكهم السياسى ويكمن ذلك فى نجاح الحوار الفلسطينى ـ الفلسطينى،

الذى ترعاه القاهرة بكل ذكاء وحنكة إستراتيجية ولا يجب أن يخدع عرفات نفسه أو يخدع الفلسطينيون، من مختلف الفصائل أنفسهم، بأن الرأى العام العالمى والأوروبى تحديداً معهم، فالذاكرة العالمية، خاصة ذاكرة واشنطن، ترى العالم ما بعد الحادى عشر من سبتمبر 2001 مختلفاً، وتقول إن ˜الإرهابيين هم الإرهابيونŒ حتى ولو كانوا استشهاديين يموتون من أجل قضية عادلة مثل قضية الشعب الفلسطينى لكن الظروف التى يزدهر فيها الإرهاب مثل التغاضى عنه تماماً، من هنا يجب الاعتراف بأننا فى حالة خلط أوراق بين المقاومة والإرهاب،

وعلينا فى هذه الحال، أن نتجه إلى مقاومة سلمية مشروعة يحترمها العالم، وذلك أهم من أى تصورات أخرى مازلنا جميعاً نتجه صوب اللجنة الرباعية، التى وافقت على ˜خريطة الطريقŒ لاستعادة عملية السلام، وبالرغم من عدم الإعلان عنها رسمياً حتى الآن، فإنها متاحة على نطاق واسع، لكن واشنطن أرجأتها حتى الانتخابات الإسرائيلية، حسبما طالب بذلك شارون الذين يقرأون الخريطة بعناية يدركون أن هناك نقاطاً مظلمة، وسيرون العديد من الغموض حول حدود إسرائيل ما قبل 1967ووضع المستوطنات فى الأراضى المحتلة، والوضع النهائى للقدس،

وبالرغم من كل ذلك فإن تحديد الطريق إنجاز عظيم وهناك تدابير بناء ثقة والتزام لتقديم ضمانات الأمن الضروريةوليس من السهل تسوية المصالح المعقدة لإخراج خريطة تبدو مقبولة من الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء، والجدول الزمنى لعام 2005، من أجل دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للنمو كجزء من تسوية شاملة بين إسرائىل والدول العربية المجاورة لها، مازال قابلاً للتحقق،

ولكن بشق الأنفس إن ˜خريطة الطريقŒ تمزج بين المصير العادل والمنطقى والذكى، وتؤمِّن التأييد، وتضمن توقيع الأمم المتحدة، الذى يشير إلى الشرعية، كما أن الموارد المالية للاتحاد الأوروبى والعمق الإستراتيجى الروسى يضمنان النجاح، فماذا تبقى؟ المطلوب الآن هو إضافة المحتوى النهائى لقوة الولايات المتحدة الأمريكية الغائبة والسؤال الآن الذى يطرح نفسه هو ما إذا كان بوش مستعداً لأن يجعلها تتحقق أم أنه سيتراجع أمام إسرائىل؟ نحن نعلم أن الرئيس بوش يريد شن حرب ضد العراق، والأكثر أهمية بالنسبة للعالم ولمستقبلنا جميعاً، بما فيه المستقبل الأمريكى نقولها بالعقل هو ما إذا كان مستعداً لإحلال السلام فى فلسطين، فليبدأ الآن، ولا يخشى التراجع الإسرائىلى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى