مقالات الأهرام العربى

لقاء مع شيراك

ربما كان لقائي مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك واحدة من أكثر تجاربي الصحفية ثراء ومتعة لها مذاق خاص فهو زعيم سياسي من طراز فريد مزج ببراعة ما بين اللباقة والأناقة الفرنسية المتجذرة وما بين الحكمة والعمق السياسي المكتسب عبر تاريخ طويل من عمله السياسي بدأه منذ أن كان طالبا في المعهد العالي للدراسات السياسية في باريس وازداد عمقا بعد أن أصبح رئيسا لجمهورية فرنسا علي مدار 12 عاما انتخبه الفرنسيين خلالها لفترتين متتابعتين بعد أن أيقنوا من مدي حكمته وقدرته علي إدارة شؤون دولة عظمي بحجم فرنسا.

كان لقائي به في قصر الإليزيه الذي تحوي جدرانه تاريخا طويلا يشهد علي تميز الشعب الفرنسي وخصوصيته وذلك قبيل أيام من لقاءه بالرئيس مبارك في القاهرة وفي مكتبه في هذا القصر العريق دار حوارا لم أتصور أن يمتد حتي يشمل جميع تلك القضايا المختلفة التي أردت أن أعرف رؤيته وتحليله لها ولكنه بأناقته الفرنسية المميزة واحترامه المعهود للآخر منحني بسخاء الوقت للإجابة عن الكثير من التساؤلات الملحة التي شملت جميع قضايا المنطقة,سألته عن تصوراته لوضع سوريا خلال المرحلة المقبلة والدور الذي تزمع فرنسا لعبه لوضع حد لعزلتها الدولية فحدثني عن أنه بات الآن من السهل عليها تحسين علاقتها مع المجموعة الدولية من خلال تطبيق قرارات مجلس الأمن وأكد وجود فرص مختلفة لديها لإقامة علاقات مبنية علي المساواة والاحترام المتبادل مع لبنان مع حملها لكل ما يؤهلها للعودة إلي الكنف الدولي علي نحو طبيعي واستعادة علاقاتها التقليدية مع فرنسا وتحدث بحماس عن ضرورة توحد العراقيين مستندين إلي ميثاق وطني يضمن سلامة أراضي العراق والتزام ايجابي من دول الجوار يدعم هذا التوجه وتشجيع مبادرة المصالحة التي أطلقتها الجامعة العربية وحظيت بدعم فرنسا الكامل مع ضرورة تحديد موعد مغادرة القوات متعددة الجنسيات المنتشرة في العراق لتيسير دخول العراقيين في منطق أكثر مسئولية.و اعترف بحقيقة أن الوضع في الأراضي الفلسطينية في غاية الصعوبة وانه يتعين استمرار المساعدات الدولية ولكن من خلال الأنروا والمنظمات غير الحكومية إلا أنه أكد أيضا أن وصول حماس إلي السلطة غير من المعادلة الإقليمية ولكن هذا لم يمنعه من تقديم دعوة مخلصة إلي حماس لتفهم أن دروب العنف تقود إلي طرق مسدودة وأن انتقالها للعمل السياسي يجب أن يدفعها نحو الالتزام بالتخلي عن العنف والاعتراف بإسرائيل في نفس الوقت الذي دعي فيه إسرائيل للتخلي عن نزعتها نحو القرارات أحادية الجانب والكف عن الاغتيالات وعن الاستمرار في سياسة الاستيطان مؤكدا أن سلاما عادلا ودائما في المنطقة لن يفرض من قبل طرف علي الطرف الآخر بل لا بد أن يأتي عن طريق استئناف المفاوضات التي لا بديل لها.

لقد كان من أبرز ما لفت نظري في حواري مع الرئيس الفرنسي قناعته التي لا تقبل الجدل بضرورة إقامة حوار بين الثقافات فالأمر قناعة شخصية لديه وعشق قديم لتراث وتاريخ الشرق الأوسط وحضارته تعمق من خلال إلمامه بتاريخه مما دفعه تلقائيا إلي احترام شعوب المنطقة ومن منطلق هذا الاحترام تعلم كيف هم موضع تقدير ولماذا يتعين علي الغرب أن يواصل تبادلاته الثقافية مع الشرق وأن يعمل علي تعزيز التلاحم بين شعوب ضفتي المتوسط.كما لفت نظري حرصه الشديد علي تجنيب المنطقة ويلات الحروب والنزاعات فهو بطبعه رجل يكره العنف وتنبذه ثقافته ويري أن الإرهاب همجية لا تتحملها شعوب العالم الحديث التي أدركت ضرورة العيش المشترك واحترام تعددية الشعوب وتنوع الحضارات والثقافات والتمسك بقيم التسامح وانتهاز كل الفرص من أجل التحاور وتجنب إساءة الفهم وليس هذا بغريب علي رجل فرنسي أصيل تتميز بلاده باحترام الأديان والأعراق وتعمل علي إرساء تنظيمات خاصة لضمان تعايش منسجم بين الديانات والمعتقدات ومؤسساتها.

الواقع أن شيراك ذلك السياسي الفريد من نوعه يمتلك الكثير من قوة وكبرياء وتقدم فرنسا ذاتها وهي ميزات شخصية هيمنت بقوة علي اجواء الحوار الذي امتد بطبيعة الحال ليشمل مصر ورؤيته لها الان حيث أكد أنها قد اختارت الحداثة والانفتاح وأن بلاده ترغب بشدة في مصاحبتها علي هذا الدرب وقد عبر عن ثقته من قدرتها علي أن تكون إحدي الدول الرئيسية في عالم الغد مع شعب يتمتع بالفطنة ويضطلع بمسئولياته التي هي مسئوليات جسمية في المنطقة كما تحدث عن علاقة الصداقة السياسية التي ربطته بالرئيس مبارك تلك العلاقة التي بدأت منذ نحو ثلاثين عاما عندما كان قائدا للقوات الجوية المصرية وهي علاقة قوية وممتدة جعلته يصف بالسياسي الذي لا يشيخ ولا يهرم ويتجدد شبابه دوما خاصة مع إطلاقه لمبادرة الإصلاح السياسي والاقتصادي وتأكيده علي ضرورة السير علي دروب السيادة والديمقراطية ورصد الدروب التي تفضي إلي التحديث وإلي مستقبل امن وثابت لا لمصر وحدها بل للمنطقة العربية بأسرها .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى