مقالات الأهرام العربى

حلم عقلى

هذا ليس تمرينا فى السياسة، كما أنه ليس حلما من أحلام اليقظة أو لحظة غفوة عن العقل، أو بعيدا عن الحسابات، لكننى أخذت نفسى، بمنهج مختلف، كيف يمكن للعقل أن يعمل مراعيا الأحداث، ويكون مدركا فى نفس الوقت لالتزاماته، واضعا فى حساباته إمكانات التحقق، إنه ببساطة حلم عقلى ممكن التطبيق، وقد أراه رأى العين، إذا أدركت الشعوب فى منطقتنا مصالحها الحقيقية، وإذا أدرك قادتها مسئوليتهم التاريخية، لإنقاذ بلادنا وتهيئتها لأوضاع أفضل، فلا يمكن لعقلاء أن يستمروا على خلافاتهم وأخطائهم، فى حين أن ما يتعرضو ن له خطير، ولا يمكن احتماله فعلى صعيد المنطقة ككل اتفق العالم بدون إعلان على مخاطر السياسات والثقافات ولغة الحوار التى تصدر من الشعوب العربية، ولم أقل الشعوب الإسلامية فقد استطاعت أمريكا، رغم أخطاءها وسياساتها المتعنتة أن تجعل الأوروبيين والروس والصينيين، والهنود، أى كل العالم تقريبا، يجمعون على مخاطر انتشار ثقافة التطرف الدينى الإسلامى الصادرة من الشرق الأوسط، واستطاعت أيضا أن تنشر مخاوفها على مستقبل العالم.
وهذا الاتفاق يدعونى إلى أن أحذر كل السياسيين فى المنطقة من عدم أخذ حرب الإرهاب والتطرف باللامبالاة، وعدم الجدية والحزم الممكنين، وأدعو هنا، ليس القادة فقط، بل الرأى العام، خاصة العرب الموجودين فى أوروبا وأمريكا، إلى تغيير خطابهم ضد الحضارة الغربية، ومحاولاتهم التمييز على حساب العمل والجدية والانتماء واتخاذهم أساليب أخرى، تجعلهم فى موضع اتهام، قد يصل إلى تحجيم طموحاتهم فى حياة طبيعية فى عالمهم الراهن، لأنهم بهذا التصور يلهون بمستقبل العرب وحياتهم وتعليمهم، خاصة أن هناك فريقا أمريكيا وغربيا يحاول أن يباعد ما بين العرب والمسلمين الآسيويين، بادعاء أن هناك ثقافة مختلفة للعرب تكرس فكرة الإرهاب والتطرف حلمت بأن يحرص كل عربى عندما يتكلم أو يتحدث أن يراعى فى كلامه نبذ الإرهاب والتطرف، وأن يكشف خطايا وجرائم بن لادن والظواهرى، وأن يعتدل خطابه ضد الآخر، وأن يتحفظ، ولا يعنى ذلك أن يتجاهل أخطاء السياسات الأمريكية والأوروبية، لكن اللغة يجب أن تصبح عاقلة وواعية.
حلمت بأن ينبذ العرب خلافاتهم الصغيرة كالتى تحدث بين الجزائر والمغرب الآن فى شمال إفريقيا، ويتوقف النزاع بين ليبيا والسعودية والبحرين، وتتوقف الحروب الأهلية فى السودان، وأن تغلق الحكومة والمتمردين أبوابها، وأن يضعوا خريطة جديدة لمسار منطقتهم، تجعل الاحترام والقانون لغة سائدة بين الجميع، وأن يعلوا جميعا من شأن التعاون الإقليمى بدون الحديث عنه، وأن نجعل الهوية والثقافة العربية والدينية المعتدلة أولوية مطلقة للجميع، وهذا يستلزم إنهاء الخلافات، وفتح المجال الواسع للتعاون العربى العربى، لإعلاء شأن المنطقة وتحقيق الاستقرار السياسى والاقتصادى لكل شعوبها ولنجعل مخاوفنا على المستقبل وعلى أولادنا والمسئولين عن ثقافتنا العربية وديننا الإسلامى المعتدل، دافعا لهذا التعاون، وهذه الروح الجديدة، عندما أخلق وظيفة لعربى فإننى أحميه من الفقر والهجرة، وعندما أشترى سلعة عربية أحمى شقيقى من البطالة وكساد مشروعه، وتقوية منطقتنا وحمايتها من التدخلات الخارجية أو إضعافها أمام الغير. وأدعو إلى أن يلجأ كل رجل أعمال عربى إلى تشغيل العرب، وأن تعود الأموال إلى منطقتنا لتعمل بها وتستثمر حماية لها ولمستقبلنا جميعا.وأن نوقف التنافسات والتناحرات السياسية والاقتصادية، وأن ندرك جميعا أن حجم إنتاجنا كله ضعيف، وأن أسواقنا هزيلة وعلينا جميعا تقويتها. وأن نحرص جميعا على استخدام اللغة العربية، وأن نحمى ثقافتنا من التهميش وأن نترجم كل الكتب العالمية إلى اللغة العربية لحمايتها وتقويتها، وأن ندرك أننا العرب جميعا لم نحم لغتنا العربية، مثلما تحمى إسرائيل محدودة السكان لغتها العبرية، والتى جعلتها لغة حية للعلوم والثقافة، ولا مجال للمقارنة بين350 مليون عربى، وبين خمسة ملايين إسرائيلى. وأن نتجه جميعا إلى خلق مجالات للتغيير السياسى داخل مجتمعاتنا تحترم الديمقراطية، وهناك انتخابات فى العراق وفلسطين ومصر ولبنان والسعودية فى بداية العام، فلنجعلها انتخابات حرة ولنقنن احترام الرأى العام، ولنجعل هذه الانتخابات فاتحة لقيام نظم سياسية متحررة وديمقراطية، تمنع الفوضى وتحمى دولة المؤسسات بدساتير جديدة معاصرة تجعل شعوبنا فى وضع جديد يتناسب مع المعايير العالمية فى كل الشئون السياسية والاقتصادية، حتى لا نظل فى وضع مقارنة معيب ومخز مع شعوب العالم
فلنحل مشاكلنا السياسية المستعصية بهذا الأسلوب، ولنتفق على إنهاء الصراع فى فلسطين وحماية قضية شعبها، بدون أن نجعلها قضية بلا حل، ونحن جميعا نعرف كيف نحلها إذا اتفق الضمير العربى على إنهاءالصراع وتعاون فى سبيل ذلك فإنه يستطيع وهكذا نتفق على حل كارثة العراق بدون الانزلاق إلى حرب أهلية بين السنة والشيعة، ونحن قادرون إذا احترمنا الطرفين، ومنعنا أى تدخل خارجى، فلا خوف من شيعة العراق إذا أبعدناهم عن تلقى الأوامر من خارج بلدهم، ومن احترام مرجعياتهم الداخلية
أخذنى الحلم بعيدا، لكننى أدركت أنه إذا أدرك العربى حجم المخاطر الحقيقية، التى تكتنف بلاده وثقافته ودينه، لما استطاع النوم، فكيف يحلم وليس أمامه إلا العمل المتواصل باليقين والعقل الواعى لينجو من فخ منصوب له، ويتجه إليه كالأعمى أو مسلوب الإرادة، وكأنه يركب سيارة تتدحرج بدون فرامل من جبل عال، وليس بها سائق عاقل
فما بالكم وراكبو السيارة مازالوا »يهرجون« أو يعبثون وكأنهم فى لعبة، ثم تتوقف قبل الانهيار لسبب لا يعلمونه، فى حين أنهم يتجهون إلى مصير معتم.آسف يبدو أن الواقع يغالب الحلم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى