مقالات الأهرام العربى

الوعى برسالة شدياق وعلونى الأخيرة

تزامن انفجار بيروت الأخير الذى استهدف المذيعة اللبنانية مى شدياق مع خبر حبس المذيع فى قناة الجزيرة تيسير علونى بـ 7 سنوات فى أسبانيا، وقبلهما بأشهر انفجرت سيارة الكاتب الصحفى سمير قصير فى بيروت

وسقوط الصحفيين والإعلاميين شهداء فى مواقع الأحداث والكوارث، ليس جديدا وتكررت مثل هذه الحوادث، وشهد العراق أكثر من حادثة فى هذا المجال، حتى ضربت الحرب الأمريكية على العراق الرقم القياسى للضحايا من الإعلاميين.

فالأحداث الكارثية العراق أصبحت مخيفة، وآلة الحرب المشتعلة تريد أن تغيب المشهد الإعلامى عن عما يحدث هناك، حتى لا تنقلب الأمور فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على هذه الحرب

فمازال فى الضمير العالمى مشهد المظاهرات وقوة الشارع الرافضة للحرب، لعدم شرعيتها من ناحية، وأنها لا تمثل حالة من حالات مقاومة الإرهاب والتطرف، خاصة عندما انكشف أمام العالم، أن كل التقارير التى تحدثت عن وجود أسلحة دمار شامل فى العراق، ثبت عدم صحتها، وأنها كانت لتبرير تلك الحرب التى لايزال كثيرون يبحثون عن أسباب مقنعة لها، ويفكرون فى النتائج التى سوف تترتب عليها

ومن هنا تزايدت المخاوف من الإعلام لأنه سيحرك الرأى العام ضد الحرب ولكن هذه المسألة ليست قضيتنا اليوم، بل تلك الرسالة التى تطايرت على وقع الجروح والآلام التى أدت إلى بتر ساق المذيعة الجميلة مى شدياق، عقب خروجها من محطتها التليفزيونية، ومازال صوتها يرن لتحذر من العنف القادم إلى بلادها قبل تقديم محققى الأمم المتحدة تقريرهم المتوقع الشهر المقبل، حول مقتل رئيس الوزراء اللبنانى السابق رفيق الحريرى، وزملائه النواب، الذين راحوا هم الآخرون فى حادث انفجار مؤسف هز بيروت، ومازال صداه يهز الشام إلى الآن، ونتائج التحقيقات قد تحمل فى طياتها مخاوف كثيرة حول مستقبل المنطقة، وقد تدفع إلى إحداث تغييرات جوهرية فى السياسات وفى طرق الحكم.

وصرخات شدياق وهى تطلب المساعدة لن تضيع سدى، فالمساعدة هنا ليس إنقاذها من النار، ولكن فى كشف المجرمين الذين يريدون لصوت الإعلام أن يسكت، وأن تتحول المذيعة إلى عبرة، لكل من يفتح فمه رافضا للظلم ومطالبا بالحرية.

فالذين خططوا لهذه الجرائم كانوا على نفس الخط ونفس المعنى، عندما حاكموا مذيع الجزيرة تيسير علونى، الذى حقق شهرته خلال الحرب الأمريكية على أفغانستان، واستطاع أن ينقل وقائع تلك الحرب على الهواء مباشرة، ووفر لمشاهديه مساحة كبرى من المعلومات المتدفقة والصور الحية، ميزت تلك المحطة خلال الحرب الأفغانية، وكان لقربه من الجانب الأفغانى خاصة مجموعة طالبان الحاكمة أثر مباشر فى قدرته على الوجود فى تلك الأجواء الصعبة، واستطاع أن يقدم حديثا مباشرا مع أسامة بن لادن، والتهمته ميكنة الإعلام القوية، ورغبة الشارع الصحفى والإعلامى فى أن يعرف، جعلته يوجد فى مناطق الأحداث، ويشهد الحرب ونجومها عن قرب، فلم يستطع المذيع علونى أن يدرك مخاطر وصعوبة مهمته الجسيمة فى تلك الأيام المزدحمة بالمعارك، وواصل مهمته، واختلطت حيويته وذابت فى تلك العملية، حتى أصبح هو نفسه وقودا لها، ولم يكن مشاهدوه أو معجبوه يعلمون أنه سيحاكم ويدان لأنه كان قريبا من بن لادن وطالبان.

وتساءلت عن نفسى لماذا لا يحصل الإعلامى والمذيع على حصانة الأطباء والمسعفين الذىن يعملون فى الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدوليين، والذىن تضطرهم ظروف وطبيعة العمل أن يكونوا موجودين مع المريض المقاتل فى أى موقع يكون؟

ونحن جميعا فى حاجة إلى إنتاج وإبداع الإعلامى، ولذلك يجب جميعا أن نتحصن وراء لحمايته والمطالبة بحقه بألا يدفع ثمن عمله

الذى قد يدفعه إليه إخلاصه وتفانيه فى الوصول إلى معلومات أكثر وتدفق حر للخبر والصورة من موقع الأحداث حتى لو تحيز لفريق ضد آخر فى أرض الصراع، إذا كنا نتسامح ونطالب بقبول الآخر والتعاون حتى نعرف ونعرف أكثر، فمن يصل بنا إلى تلك المعرفة القاسية؟

أليس الإعلامى هو الذى يدفع نفسه وروحه ليوجد فى موقع الحدث ويتفاعل مع هذا وذاك؟

وكل المواثيق، خاصة ميثاق جنيف فهو يحمى الإعلامى فى مناطق الأحداث والكوارث والصراعات، غير أن هذا الميثاق قاصرا عن حماية الإعلامى عندما يتحيز إلى فريق على حساب آخر، لا ليكون عضوا يقاتل ويشارك فى المعركة، بل بتحيزه وانضمامه إلى رأى دون آخر قد يكون لصالح عمله أولا وأخيرا

هكذا يسقطون ويتحملون أوزارنا وحقوقهم تضيع ومستقبل أسرهم يتأثر.

حركتنى جريمة مى شدياق وسجن تيسير علونى، لأطالب الإعلاميين فى كل مكان بأن يقفوا ضد أن يدفع بعضنا ثمن أن نحصل على المعلومة لنصل إلى الحقيقة لنعرف موقع أقدامنا

سوف نتذكر سمير قصير وهو يكتب ضد الظلم ويفتح الباب لتحرير بلاده من الاحتلال، ورفع قيم المجتمع المدنى وزيادة معنى الحرية

وكذلك نتذكر مى شدياق وهى تقترب منا بشعرها الأشقر وألوان ثيابها الزاهية وتندفع نحو الخطر بكلماتها وجرأتها، مصرة على الحرية والكلام

ونستمع إلى تيسير علونى وهو يتحرك من سطح إلى سطح لينقل لنا وقائع الحرب، وتتدفق معلوماته من أفغانستان، بينما هرب منها كل المراسلين الأجانب، حتى نرى بشاعة الحرب، ولا يهمنا إلى أى جانب كانوا، فهم ليسوا بن لادن أو طالبان، لكنهم يعملون لحسابنا وينقلون لنا المعلومة ويكشفون لنا بشاعة الحروب والظلم معا.

نرفض أن تقتلوهم أو تحبسوهم، ومن يفعل ذلك فهو يقتلنا جميعا ويحبسنا جميعا، وأضعف الإيمان ألا نقبل ونتذكرهم، ونقول إننا سوف نفعل مثلهما ونواجه ظروفهم، والدنيا لن تصلح والدنيا لن تصفو، إلا عندما تعود مى وتيسير علونى أحرارا أصحاء، ونتذكر كل الراحلين الذين ينيرون لنا الطريق نحو الحرية والإعلام الشريف الحر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى