مقالات الأهرام العربى

القمة والأزمة

لا أريد أن أقول قمة المأزومين أو قمة الفرص الضائعة أو قمة الحد الأدني، فنحن عادة ما نختصر الاجتماعات حتي ولو كانت علي مستوي القمة في عنوان، وبالرغم من أن البعض يقول منذ البداية القمة المسروقة، فنحن مازلنا نرنو إلي مؤسسة القمة العربية في اجتماعاتها الدورية، خاصة هذه المرة، ونحن نحتفل بمرور ستين عاماً علي التنظيم العربي الوحيد الذي حافظ علي بقائه، رغم الظروف الصعبة التي تعيشها منطقتنا وأحوالها، التي لا تغيب عن أحد، باعتبار أن المنطقة هي بؤرة الصراع الدولي، علي البترول، الطاقة الوحيدة للعالم الآن وفي المستقبل، كما أنها المنطقة التي تعيش فيها إسرائيل الدولة ذات الطبيعة الخاصة والتي تدعمها أكبر طائفة في العالم، ليس عدداً، لكن أموالاً ونفوذاً إعلامياً وسياسيا، وهي اللوبيهات اليهودية، وهي بحكم المعايير السياسية مؤثرة في الحكم العالمي، داخل الولايات المحدة، بل في الاتحاد الأوروبي وهما القوتان الكبريان في العالم، وأيضاً داخل القوي الأخري التابعة والموثرة، في صياغة هذا النظام الدولي.

وفي خضم أو داخل حرب الإرهاب التي تفجرت بعد أحداث سبتمبر 2001 في واشنطن ونيويورك، دخلت منطقة الشرق الأوسط حربي أفغانستان والعراق، وأصبحت أمريكا عضواً فاعلاً ومؤثراً في جامعة الدول العربية بحكم احتلالها للعراق منذ عامين، ومازال الاحتلال مفتوحاً بل إن الأزمة العراقية دخلت حالة من الاستعصاء الأمني من النادر فهمها أو تحليلها بدقة، فهل أصبح العراق، كما يقول البعض، مستنقعاً للأمريكيين، أم مأزقاً للعرب، ومسرحا للموت المجاني الفردي والجماعي للعراقيين في صورة دامية بقلب المنطقة العربية تدمي أي قلب أو عقل واع؟

العراق الكبير دخل انتخابات هللت لها أمريكا والعالم ونحن لا نرفض الانتخابات، بل نحن معها لكن ماذا حدث؟ لم يتوقف الموت بل اتسع نطاقه، وأصبحنا في حالة ليست حرباً أهلية ننتظر أن تتوقف، أو نتفاوض حولها، لكننا نري موتاً بالجملة لا يعرف أحد أسبابه، أو كيف يتوقف؟ في هذه الحالة البكائية، فإن العراقيين لم يستطعوا رغم الانتخابات وتشكيل جمعيتهم الوطنية، اختيار حكومة كما أن الصراع السياسي، لا يقل خطراً عن الصراع العسكري والدموي علي الأرض، فلم يتفق العراقيون علي الحكومة، كما أن التناقضات والتحالفات بين العناصر والقوي السياسية، دخلت هي الأخري نفقاً لا أريد أن أقول مظلماً، لكنه علي كل حال نفق، لا يري فيه الناس بعضهم البعض بوضوح، والرؤية غائمة، والمستقبل تبعاً لذلك غير واضح، والأمريكيون يهللون، وكأنهم يرون في حالة الموت المجاني والانهيار العراقي حالة ترضيهم لأنها جمعت قوي مختلفة، يريدون تصفيتها بهذا الأسلوب الدامي

والأزمة الفلسطينية لم تتوقف، هناك انفراجة محدودة، لكنها بالقطع هشة جداً وضعيفة، فهل تقوي علي البقاء والصمود في هذا العالم أو المنطقة، التي تهزها الزلازل والأعاصير؟ فالفصائل الفلسطينية تتشدد في الحوار مع بعضها البعض، متناسية أنها طرف واحد، يتحاور مع طرف آخر يملك كل الأوراق، والكروت، ويريد تفجير الوضع، ليبدأ مرحلة تصفية جديدة.

الله يلطف بالفلسطينيين، ويزيد من قدرتهم علي مواجهة ما ينتظرهم، من عدو صعب لا يرحم، سواء كان علي مائدة المفاوضات أم في معركة دائرة وطاحنة بين أطراف غير متكافئة علي الإطلاق، والأخطر أنها تكاد تكون غير متناغمة، لا أريد أن أقول متصارعة، لكن إستراتيجياتها ورؤاها، في أبسط الأحوال، غير واحدة.

هذا هو مناخنا أو أزمتنا، ولم نكن في حاجة إلي أزمات جديدة، فإذا بحادث تفجير قبل القمة بأيام هو رحيل شخصية لبنانية مهمة ورئيس الوزراء اللبناني السابق الحريري، الذي جاء ليفتح صراعاً ليس بين حكومتي سوريا ولبنان، لكن بين الشارعين، أو إذا راعينا الدقة بين جانبي، لا أقول أقلية وأغلبية، ولكن فريقاً لا يستهان به من اللبنانيين والسوريين، معاً.

لقد أعلنت سوريا الانسحاب من لبنان، حتي تخفف من حدة التوتر بين الشعبين، لكن الجريمة الفادحة وتداعياتها تزيد تفاقم الموقف، خاصة مع عدم قدرة المحققين الدوليين علي الوصول إلي مرتكبي ومخططي هذه الجريمة البشعة، والتي أصبحت ورقة لتأزيم المواقف السياسية وكل الفرق السياسية المتنافسة لا أريد أن أقول المتصارعة،تلعب بها علي المسرح الملتهب.

وعشية القمة، فإن حرب الإرهاب، خلقت أوضاعاً صعبة لم تقتصر علي دولة دون أخري، فالتيار المتأسلم، لم يستسلم ولم يتعلم، ومازال يعقد المواقف السياسية، ليس فقط في الخليج أو المغرب أو المشرق، لكن في كل البلاد، حيث يطل برأسه، ويريد أن يستفيد من الأزمة، ويلعب علي كل حساباتها

وعشية القمة لاتزال قضايا الإصلاح السياسي الديمقراطي مفتوحة ليست كملف، لكن في الشارع السياسي ككل، ولم تكن الصراعات الطائفية بعيدة، فأطل علينا صراع قديم بين طائفتين تمثلان ديناً واحداً هو الإسلام هما »السنة والشيعة«، فالثورة الإيرانية لم تفلح في إبرازه لكن الحرب العراقية جعلته واضحا وركناً ركيناً في منطقتنا، فهل هناك قوي سياسية، قادرة علي استيعاب التيارات الدينية المتشددة، أو المتنافسة ودمجها في عملية سياسية واضحة المعالم؟

عشية القمة، كل القضايا الصعبة غير مطروحة، فالعرب لا يعرفون التفكير الجماعي، ومازالت الرؤي غائمة هل الإصلاح القطري هو الحل؟ وماذا عن الإصلاح الإقليمي؟

إنهم جميعا لا يستطيعون أن يركبوا قطارات عديدة، وليس أمامهم علي ما يبدو، إلا العربة الأخيرة في آخر قطار يمر أمامهم، فهل يركبونها، ويتحاورون بلغة عاقلة تحترم إمكاناتهم وظروفهم، ويعترفون بالأزمة، وقدراتهم المحدودة علي الحل الفردي، ويتفقون علي سياسة جديدة، تنجو بمؤسساتهم ودولهم، من السقوط والتفكك في عالم لا يحترم إلا الأقوياء، والذين يعرفون، ويخططون ويديرون أمورهم بشجاعة واحترام لظروفهم وللواقع الذي يعيشون فيه، ويؤمنون بعالم تموج تيارات متصارعة وظروف صعبة تتغير ليس يوميا بل علي مدار الساعة

القمة أمامها فرصة لم تضع بعد، لكن التجهيزات والحوارات والاجتماعات المسبقة لا تنبيء بتحرك يواكب الأوضاع والتطورات المتلاحقة التي تعيشها المنطقة والتي وصلت إلي أسماع القادة وأنهم يجهزون لغة جديدة، ومؤسسات متطورة لمواجهتها.

لم أفقد الأمل رغم أن بلادنا العربية ليست دول مؤسسات، ومازالت رهناً بإرادة القادة، وقد وصلتهم رسائل التطورات والأوضاع الصعبة للشعوب، والأزمات المستحكمة للمنطقة، والضغوط الداخلية التي هي ليست هينة، فما بالكم بالضغوط الخارجية التي وصلت إلي مرحلة المطارق، التي تدق الأبواب، وتدخل بلا استئذان وتري أنها من حقها المشاركة، بل التدخل السافر والعلني، هل نري وسط هذه الظروف سياسات جديدة أو مؤسسات خلاقة؟

لاتقولوا لنا إننا بعد 60 عاماً سوف نشهد برلمانا عربياً يتم تعيينه بواسطة الحكومات أو البرلمانات العربية الضعيفة، هذا ليس حلاً مريحاً علي الإطلاق

لا تقولوا لنا إننا لا نستطيع أن نفتح الأسواق ونقيم منطقة تجارة عربية حرة مائة في المائة.

لا تقولوا لنا إننا لا نستطيع أن نفتح المجال أمام حريات انتقال الناس والأموال والسلع والخدمات في المنطقة العربية.

لا تقولوا لنا إن الخلافات العربية مازالت علي حالها، وأن كل شقيق مازال يري الخوف في شقيقه، وأنه يفضل الغريب والأجنبي عن أن يتعاون مع شقيقه

لا تقولوا لنا إنكم مازلتم متنافسين بل خائفين من بعضكم البعض.

لا تكرروا علينا ما كنتم تقولونه عبر 29 قمة، هي عمر نظامكم وتاريخ اجتماعاتكم منذ إنشاء الجامعة وحتي الآن، فنحن في عالم لا يعرف لغة الدبلوماسية والبيانات التي أغُرقنا فيها، لكننا نبحث عن لغة جديدة وعالم جديد.

قد يكون البعض متفائلاً، لكنني لا أشعر ولا أتوقع، فالإنسان لا يعيش بالحلم وحده.

وكل قمة وأنتم بخير إذا كان هذا ممكناً

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى