العطار ومأزق الدهر

بعد مرور 3سنوات على حرب الأمريكية فى العراق، انكشفت المغامرة العسكرية »وتحول العراق إلى مأزق أمريكى«، بل مأزق لمنطقة الشرق الأوسط يصفه إياد علاوى رئيس الوزراء السابق بأنه الحرب الأهلية بعينها، أما الأمريكيون فيرون أن قرار شن الحرب هو أسوأ مغامرة عسكرية فى القرن الواحد والعشرين، وبعد أن انكشف الموقف أمامهم، فهم يرون أن الرئيس بوش ضلل الشعب الأمريكى لشن أكثر الحروب حماقة مذن أن أرسل الإمبراطور أوجستوس قواته إلى حرب شنها على ألمانيا فى العام التاسع قبل الميلاد، وفقدت تلك القوات، فالأمريكيون يسارعون الآن لإنقاذ أنفسهم بتشكيل لجنة لرسم إستراتيجية الخروج، فهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟ وأن تضع إستراتيجية جديدة بعد أن وصلت نفقات الحرب إلى350مليون دولار فى العراق، فالصورة الآن بها الكثير من البلبلة، فالأزمة كارثيةوالحل ليس سهلا، فالأمريكيون لم يخطئوا فى حق العرب، بل فى حق شعبهم، وتسببوا فى تأخير التطور السياسى والديمقراطى الطبيعى فى منطقة الشرق الأوسط.
ونعود إلى اللجنة التى شكلها الكونجرس والتى تضم خبراء من الحزبين الجمهورى والديمقراطى لدراسة الوضع فى العراق، وإعادة النظر فى الإستراتيجية الأمريكية هناك ولتجنب الوقوع فى شرك الحزبية أو براثن المحافظين الجدد شاركت فى تشكيل لجنة دراسة الوضع فى العراق أربعة مراكز للأبحاث هى المعهد الأمريكى للسلام، ومركز الدراسات الدولية والإستراتيجية، ومركز دراسات الرئاسة، ومعهد بيكر للسياسة العامة فى جامعة رايس بتكساس، ويترأس اللجنة جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق، ولى هاملتون الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكى والذى ذاعت شهرته بعد أن ترأس لجنة التحقيق فى قصور أجهزة المخابرات الأمريكية قبل هجمات سبتمبر، وقد وضع المسئولون أمام اللجنة سؤالا حول إستراتيجية جديدة لأمريكا يشكل هذا السؤال التحدى الحقيقى أمام هذه اللجنة التى خصص الكونجرس ميزانية قدرها مليون وثلاثمائة ألف دولار للقيام بمهمتها.
ولكن الجديد فيما يمكن أن تقود إليه توصيات اللجنة هو استعداد البيت الأبيض الذى اعتاد ألا يسمع إلا نفسه، للتعاون معها على العكس من التصلب الذى اصطبغت به عنجهية المكتب البيضاوى إزاء كل نداء سابق بإعادة النظر فى إستراتيجية الحرب فى العراق التى بلغت تكلفتها الباهظة حد غير معقول كما أدت إلى وضع الرئيس الأمريكى فى مأزق انحدار شعبية الرئيس بوش إلى أدنى مستوى له منذ توليه الرئاسة فى عام 2001، وفرضه شعورا بالتسليم بوقوع أمريكا فى مأزق حقيقى فى العراق عكسته أحدث استطلاعات الرأى العام الأمريكى والتى أظهرت استياء%65من الأمريكيين من الطريقة التى يدير بها الرئيس بوش الحرب فى العراق.
ويظهر ذلك فى إشارة النائب الديمقراطى لى هاملتون إلى أن لجنة دراسة الوضع فى العراق التى يترأسها مع جيمس بيكر لن تنقب فى أسباب شن الحرب ومدى صحتها، وإنما ستركز على ما يجب عمله فى المستقبل القريب ووضع التوصيات والاستنتاجات، لكنه نبه إلى أن اللجنة ستكون صارمة لأنها ستضع المصلحة القومية الأمريكية فوق سائر الاعتبارات الأخرى.
وستنظر لجنة دراسة الوضع فى العراق فى أربعة مجالات السياسة ونظام الحكم فى العراق، والاقتصاد وجهود إعادة الإعمار، المناخ الإستراتيجى داخل العراق وفى دول الجوار، والوضع الأمنى، وفى ضوء هذه الدراسة سيتحدد الوقت المتبقى للقوات الأمريكية فى العراق، وتعهد أحد أعضاء اللجنة وهو ليون بانيتا الرئيس السابق لهيئة موظفى البيت الأبيض بأن اللجنة لن تكتفى بتقييم الموقف، بل ستكون حاسمة فى تحديد التوجهات القادمة خاصة أن الولايات المتحدة تجد نفسها الآن على مفترق طرقمختلفة فى العراق.
وإذا كانت لجنة دراسة الوضع فى العراق قد تشكلت لتقديم توصيات بإستراتيجية جديدة للخروج من المأزق الأمريكى فى العراق، فإن مركز صبان للسياسة فى الشرق الأوسط قد أعد دراسة تقع فى مائة وعشرين صفحة بعنوان »نحو إستراتيجية جديدة لأمريكا فى العراق« أكدت على أن عام 2006يشكل عام الحسم لأمريكا فى العراق ويشرح رئيس فريق العمل فى تلك الدراسة كينيث بولاك والذى كان يشغل منصب مدير شئون الشرق الأدنى فى مجلس الأمن القومى الأمريكى ذلك بقولهإن الرأى العام الأمريكى ضاق ذرعا بما يحدث فى العراق وتعثر جهود إعادة الإعمار فيه،، وهو شعور مشابه تماما لما يشعر به الرأى العام العراقى المحبط، لذلك فإما أن تتمكن حكومة عراقية جديدة من الاستعانة بالجهود والموارد الأمريكية فى معالجة المشاكل الرئيسية التى تواجه المواطن العراقى أو ستواجه إدارة الرئيس بوش مشكلة أخطر فى العراق تتمثل فى وقوع أعداد ضخمة من العراقيين فى أحضان الميليشيات مما سيؤدى حتما إلى اندلاع حرب أهلية شاملة، لذلك ينصح السيد بولاك الخبير السابق فى تحليل الشئون العراقية بوكالة المخابرات الأمريكية بأن تركز الولايات المتحدة والحكومة العراقية الجديدة، إذا نجح العراقيون فى الاتفاق على تشكيلها، بالشروع فورا فى اتخاذ أكبر قدر من الخطوات الكفيلة بظهور نتائج إيجابية وسريعة لاستعادة ثقة معظم العراقيين، وأن تتحول الأولوية القصوى للولايات المتحدة فى العراق إلى توفير الأمن للمواطن بدلا من مطاردة حركة التمرد، والعمل بسرعة على خلق مناخ موات للمصالحة الوطنية غير أن عددا من المسئولين السابقين فى مجال الأمن القومى يرون أن الوجود العسكرى الأمريكى فى العرقاق يشكل جزءا كبيرا من المأزق الأمريكى فى العراق، لذلك يعتقد زيبجنيف بريجينسكى، مستشار الأمن القومى الأسبق أن الحل الوحيد للخروج من ذلك المأزق هو قرار أمريكى بالانسحاب.
ويرى وزير الدفاع الأمريكى السابق وليام كوهين أن السنوات الثلاث الماضية أظهرت عجز القوات الأمريكية عن استئصال جذور حركة التمرد فى العراق، لذلك يجب على إدارة الرئيس بوش أن تدرك أن التركيز يجب أن يكون على العمل السياسى وليس العسكرى فى العراق، ومن هذا المنطلق ينصح وزير الدفاع الأسبق ميلفين ليرد الذى أشرف فى السبعينيات على انسحاب القوات الأمريكية من فيتنام بأن تتبع الولايات المتحدة أسلوبا صارما مع الحكومة العراقية فور تشكيلها لكى يتخذوا القرارات الصعبة وينهضوا بمسئولياتهم قبل أن تسحب الولايات المتحدة غطاءها الأمنى من العراق لكن المفارقة فى المأزق الأمريكى الحالى فى العراق أن كثيرا من الأمريكيين كانوا يخشون من أن تصبح الحرب فى العراق حرب فيتنام أخرى، غير أن الحرب الأمريكية فى العراق قد تحوله إلى لبنان آخر إذا اتسعت حدة الصراع بين السنة والشيعة، بل وقد تمتد ألسنة نار الصراع الطائفى إلى دول الجوار، رغم المشهد المسرحى الذى ظهر فيه الرئيس بوش قبل عامين على ظهر حاملة طائرات أمريكية وادعى خلاله أن المهمة قد أنجزت فى العراق.
فيما يحاول كثير من الخبراء الأمريكيين فى الذكرى الثالثة للغزو الأمريكى للعراق تجنب الجدل من جديد حول الأعذار الواهية التى استخدمتها إدارة الرئيس بوش لشن الحرب على العراق ومناقشة الأخطاء الإستراتيجية والتكتيكية العديدة التى أوقعت الولايات المتحدة فى المأزق الحالى فى العراق، فإن المؤرخ العسكرى الشهير مارتن فان كريفلد الذى تدرس مؤلفاته وكتبه للقوات الأمريكية يصر على أن قرار شن الحرب الأمريكية على العراق كان أسوأ مغامرة عسكرية فى القرن العشرين.

