مقالات الأهرام اليومى

عودة الوعي في باب الخلق

أعاد الرئيس حسني مبارك أمس للقاهرة دار الكتب المصرية بعد سنوات من النسيان‏,‏ وهي ليست مجرد مبني تراثي يعود للماضي ولكنها ذاكرة مصر القومية‏,‏ التي نراها وقد بعثت مرة أخري لتستعيد دورها الحضاري المجيد‏..‏ متجددة شامخة تشهد ميلادا جديدا لمصر الثقافة والحضارة‏.‏

لم يكن أمس يوما عاديا في مساعي الحفاظ علي تراث مصر العريق‏,‏ فقد شهد ذلك اليوم بعثا جديدا لمغزي الحفاظ علي ذاكرة الأمة في الموقع والمكان الذي شهد ولادة دار الكتب المصرية قبل قرن كامل من الزمان‏.‏

وهكذا احتشد المعني والمغزي في نفوس الجميع‏,‏ وهم يتطلعون‏,‏ مع الرئيس مبارك‏,‏ إلي الصورة الجديدة التي أعادت لمصر الحديثة مبني قديما احتضن كل العقول والكتاب والمبدعين‏,‏ وصان حصاد إنتاجهم وعملهم للأجيال القادمة‏,‏ في إشارة إلي تواصل المسيرة والدور والمكانة في حياة كل المصريين‏.‏

حقا لم يكن حدثا عاديا‏,‏ فقد عايشت فيه عقولنا وقلوبنا لحظة لها خصوصية حميمة‏,‏ فها نحن نواصل بناء دورنا التنويري و الحضاري والثقافي الذي بدأناه منذ آلاف السنين‏,‏ ومازلنا مستمرين في ترسيخه مع قائد احترم العقول و الثقافة و الفكر وحث الجميع علي احترام كل ما يرتبط بها من رموز فكرية و ثقافية و فنية‏,‏ فقد حرص كل الحرص علي تجديد لبنات البناء في صرح مصر الحديثة‏,‏ وكان أول الداعين الحريصين علي أن تستعيد مصر سابق مجدها منارة للتنوير وقبلة للمثقفين و المفكرين والعلماء‏,‏ ولعلنا جميعا في هذا اليوم نسترجع مع الرئيس مبارك يوم‏17‏ أكتوبر عام‏2002‏ عندما أصر علي أن يعيد لنا‏,‏ مع بداية الألفية الجديدة‏,‏ صرحا كنا قد فقدناه قرونا طويلة ألا وهو مكتبة الإسكندرية فكانت إعادة تشييدها في موقعها القديم نفسه ترسخ داخلنا شعورا بأننا دائما قادرون علي استعادة كل ما ضاع وإعادة بعث دوره الحضاري من جديد‏.‏

إن احتفال أمس يتجاوز الزمان والمكان‏,‏ ويمنحنا شعورا بقدرتنا علي قراءة الواقع واستشراف المستقبل من خلال حفاظناعلي تراثنا الفكري و الثقافي ونتاج تاريخنا الإنساني‏,‏ وإنقاذه من الإهمال والنسيان وعوامل الزمن‏,‏ فتعاودنا الأحلام والرغبة في استرجاع تميزنا‏,‏ ونشعر بأن هناك طاقات كامنة علينا أن نعاود إيقاظها من جديد لكي تترجم إلي صحوة تعطينا الدليل الحي علي امتلاكنا لغد مشرق‏.‏

فالمبني يعني تغييرا وتطويرا للبيئة‏,‏ والمكتبة تشير إلي الاهتمام بالإنسان وإلي أننا نأخذ بقيم العصر لنفتح طريقا عريضا أمام التقدم والنمو الصحيح لصياغة ملامح مستقبل مصر‏.‏

وليس مبني دار الكتب الذي أعاد الرئيس بعثه من جديد مجرد مكتبة تحمل سمات عصر قديم‏,‏ بل هو مشروع كبير شيده المصريون في سبعينيات القرن التاسع عشر‏,‏ وقد بدأ بالعناية بالآثار وامتد إلي إعادة إعمار القاهرة علي النمط الفرنسي‏,‏ وكانت البداية فكرة إنشاء الكتبخانة الخديوية علي نمط المكتبة الفرنسية في باريس‏…‏

لقد عادت المكتبة القديمة لتحمل لنا معها رسالة تذكرنا بمشروع مبارك الكبير لبناء مصر الحديثة‏,‏ ذلك المشروع الذي بدأ بانتصار أكتوبر المجيد فحقق لنا استرداد الأرض والكرامة‏,‏ ثم حافظ لنا علي أطول فترة في تاريخنا من الاستقرار والنمو‏,‏ وبنينا فيها البنية التحتية الأساسية لاقتصادنا‏,‏ ثم خطا بنا الآن نحو بنية أساسية للسياسة تحمي وجودنا وتحافظ علي استقرارنا وتعطينا الحرية والحيوية للنمو والتطور وسط عالم يموج بالحروب والصراعات ومنطقة تتآكل بفعل الأخطاء والتراكمات وتدفع شعوبها أخطاء وخطايا حكامهم‏.‏

لقد كان أمس يوما مميزا في عمر الوطن‏,‏ يوما ظهرت فيه ملامح مصر المستقبل في عمل خالد يؤكد دورها كدولة رائدة في محيطها العربي والإفريقي والإسلامي‏..‏ وسوف يكون هذا اليوم بمثابة شهادة عملية علي ما قدمته مصر من خدمات جليلة للثقافة والحضارة الإنسانية‏,‏ وشاهدا حيا علي مشروعها الحضاري المعاصر‏.‏
osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى