مقالات الأهرام اليومى

مسيرة لن تتوقف

لم تكن الديمقراطية يوما اختراعا يمكن أن ينسب لأحد عبر تاريخها الطويل‏ فالديمقراطية التي نعرفها اليوم استجمعت ملامحها من أزمان وعصور مختلفة ومن تجارب شعوب في الشرق والغرب علي السواء‏ ومازالت تخضع للتطور هنا وهناك‏,‏ حيث إننا لم نصل بعد إلي نهاية التاريخ‏.‏ ولم يدع أحد عبر عصور التطور الديمقراطي أنه وصي عليها‏,‏ أو أنه يحتكر وحده حق تفسيرها فهي أكثر أساليب الحكم مناهضة للوصاية‏.‏

ومع ذلك فإن هناك ممارسات كثيرة تحظي بالإجماع في المجتمعات التي اختارتها أسلوبا للحكم‏.‏ وقد مارس المواطنون هذا الأسبوع مظهرا من تلك المظاهر في الاستفتاء الأخير‏,‏ حيث صدر قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين للتصويت علي تعديل أربع وثلاثين مادة من مواد الدستور بعد أن خضعت تلك التعديلات لحوار غير مسبوق في طول البلاد وعرضها‏,‏ وبعد أن مرت بكل المراحل التي أصبحت عرفا ديمقراطيا في مختلف أنحاء العالم‏.‏

ولكن الساحة السياسية تعاني الكثير من أقلية تعيش حالة من التربص بالديمقراطية‏,‏ التي إن مالت بعيدا عن مصالحهم وإن باعدت بينهم وبين أحلامهم‏,‏ فلن تبقي في جعبتهم أسلحة سوي إهالة التراب علي كل شئ والعدوان علي حق الشعب في أن يقول كلمته‏.‏ ففي الاستفتاءات السبعة التي أجريت علي تعديل الدستور‏,‏ منذ قيام ثورة يوليو وحتي الآن‏,‏ لم نعرف حوارا وتكثيفا إعلاميا واتفاقا أو اختلافا في الآراء مثلما عرفناه في التجربة الأخيرة‏.‏

أما التأويل المريض الذي ذهبت إليه الأقلية المتسلطة بشأن المشاركة السياسية‏,‏ فهو خلط للأوراق‏.‏ فالحياة السياسية المصرية تعاني ضعفا ملحوظا في نسبة المشاركة‏,‏ وهو إرث لم نستطع حتي الآن التخلص منه‏,‏ بسبب ممارسات طويلة أخص منها تلك الممارسات التي أعقبت انهيار التجربة الديمقراطية بعد ثورة يوليوعام‏1952,‏ وكان أولي بهذه الأقلية أن تدفع المشاركة السياسية‏,‏ التي هي في النهاية جوهر وجودها‏,‏ إلي الأمام بدلا من الدعوة إلي المقاطعة ثم التباهي بضعف المشاركة في الاستفتاء‏.‏ بل إن تلك الأقلية تخلط الأوراق كثيرا حين تدعي أن ضعف المشاركة السياسية قد جاء استجابة لدعواتها العاجزة اليائسة‏.‏ ومثل هذه الممارسات والمناورات‏,‏ برغم سذاجتها وتفاهتها‏,‏ فإنها سوف تمثل حجر عثرة أمام تنمية الوعي السياسي في المجتمع علي المدي القريب‏.‏

إن المشاركة السياسية ثقافة وسلوك لابد من تنميته‏,‏ كما أن القوانين والتشريعات ـ كما قال الرئيس حسني مبارك ـ لا تأتي بالديمقراطية‏,‏ وإنما يأتي بها الوعي وتدعمها الممارسة علي أرض الواقع‏.‏ وعلي المعارضة أن تتذكر أن نسبة المشاركة في الاستفتاء الأخير جاءت أعلي من نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جاءت بالمعارضة إلي مجلس الشعب‏.‏ ومع كل ذلك‏,‏ فإن مستويات المشاركة الراهنة لاتعبر عن طموحاتنا المأمولة لدعم مسيرتنا في الطريق الذي اخترناه‏.‏

لقد قال الشعب كلمته‏,‏ وأصبحت مواد الدستور المعدلة سارية برغم ضجيج الأقلية وادعاءاتها‏.‏ وبقي أن يري المصريون تلك التعديلات واقعا حيا في حياتهم اليومية‏,‏ وأن يشعروا أن تغييرا حقيقيا قد حدث‏,‏ وينبغي أن يضطلع ذوو الهمة والحرص علي مصالح الوطن بمهمة اتخاذ التدابير اللازمة لإصدار القوانين الجديدة وتعديل تلك القوانين التي لم تعد تتفق مع الواقع الدستوري الجديد‏.‏ فلقد فوضهم الشعب ـ بنتيجة الاستفتاء ـ للمضي قدما في طريق التحديث والإصلاح ولم يعد لدينا وقت لكي نضيعه في جدال من لا ينفع معهم جدال فلو انهم يعبرون عن تلك الأمة كما يدعون ما كانوا اليوم أقلية‏

وما كان حجمهم بذلك الصغر‏..‏ إن هناك مصالح أمة في الانتظار وهي اعز علينا من أن تؤجل بسبب قلة اعتادت الصراخ حتي ننتبه إلي وجودهم‏.‏ أما تلك الأصوات التي جاءت من الولايات المتحدة‏,‏ والتي وقعت فريسة للادعاءات التي أطلقتها المعارضة‏,‏ فهي تثبت عجزها عن قراءة الواقع المصري القراءة الصحيحة‏.‏ فنحن نخوض معركة التحول نحو الديمقراطية ونواجه‏,‏ ضمن ما نواجه‏,‏ إرثا من ثقافة السلبية السياسية التي سادت زمنا ليس بالقصير‏.‏

وسوف نعمل بصبر وثقة في توسيع دائرة الوعي بحقيقة الإصلاحات التي تجري يوما بعد آخر‏.‏ وسوف يدرك المصريون أهمية ما يحدث في بلادهم لهم ولأبنائهم من بعدهم‏,‏ وسوف تزداد نسبة المشاركة بالممارسة الفعلية للعمل السياسي الديمقراطي‏.‏ ولا أحد في العالم يطالبنا بأن نمشي ونجري ونطير في وقت واحد‏.‏ فلقد اخترنا الإصلاح وليس الثورة سبيلا للانطلاق إلي الأمام‏,‏ ولابد أن يدرك الجميع في الداخل والخارج أننا نمضي بخطي ثابتة سوف تحقق في المستقبل القريب أمل أمة وقيادة في ممارسة ديمقراطية صحيحة‏.‏

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى