مقالات الأهرام اليومى

طـبول الحـرب وأجراس السلام

الغطرسة الإسرائيلية والمتطرفون اليمينيون يدقون طبول الحرب في المنطقة غير مبالين بالمنعطف الصعب والدقيق‏,‏ الذي تردده أصوات طبولهم في المنطقة بأسرها‏,‏ فهؤلاء المتطرفون يداعبون أحلام وأوهام قوي أخري داخل إسرائيل.

بأن الحرب سوف تأتي بالحل الذي يتوهمونه.. قوي لم تتعلم من الدروس والعبر, التي جاءت بها السنوات الماضية من حروب شاملة, وأخري جزئية عجزت عن أن تضع حلا لقضية زادتها السنون تعقيدا, فلقد دخلت إسرائيل أخيرا حربا في لبنان, وأخري في غزة وخلفت دمارا هائلا, وألحقت بالجميع خسارة فادحة, ومارست فيهما معا مظاهر الغطرسة, واستخدمت كل قدرات العسكرية الإسرائيلية, التي تجاوزت كل حد مسموح به في الحروب, ولكنها وجدت نفسها في النهاية مضطرة للجلوس علي مائدة المفاوضات, والبحث عن حلول عبر جهود السلام, الذي ظلت مصر واحدة من القوي الرئيسية الداعية له, والساعية من أجله لإنقاذ الجميع ووضع حد للتدمير, الذي طال الأطراف جميعا.
عندما هدد ليبرمان سوريا بوقاحة شديدة, لم يكن تهديده ليمر علينا مرور الكرام, ولم تكن عباراته الفظة من الممكن تجاهلها أو نسيانها, ليس لأن ليبرمان رجل سياسة محنك له قيمته ولكن لأنه وزير للخارجية في الحكومة الإسرائيلية, وكان واجبا علي تلك الحكومة أن تتدخل لتلجم وزير خارجيتها, وتعلمه كيف يفصل بين ما اعتاد الحديث به لتحقيق شعبية بين قوي اليمين وهو سياسي طامح في الوصول إلي سدة الحكم, وبين ما ينبغي أن يتكلم به وقد أصبح وزيرا مسئولا.
فضرب دولة عربية يعني خروجا علي كثير من القواعد الثابتة في المنطقة, والتهديد يعني خروجا علي لغة مشتركة استغرق الوصول إليها سنوات طويلة والخروج في الحالتين لن تقبل به دولة عربية واحدة مهما تكن الخلافات أو الاختلافات بينها, فالاستقرار في سوريا قضية عربية استراتيجية بالغة الأهمية سيقف للدفاع عنها كل عربي مهما اختلف مع السياسة السورية, ولكننا مازلنا نضع ليبرمان في مكانه الطبيعي, فهو شخصية خارج التاريخ يعاني مشاكله الكثيرة, ويجد نفسه معزولا حتي في وزارة الخارجية ولا يكلف بمهام, بل إنه شخصية غير مرغوب فيها في المجتمع الإسرائيلي, ولكنه بالقطع قد أثار بتصريحاته شهية قادة عسكريين بالجيش مازالت توجهاتهم تهدف إلي جر سوريا والمنطقة كلها إلي حرب تكون مدخلا للمواجهة مع إيران ـ سوريا أو لبنان.
وهذا ما يجب أن يتنبه إليه السوريون, ولأننا نعرف جيدا أن دق طبول الحرب عند ليبرمان له أشباه كثيرة من التصعيد الكلامي تستلزم الفهم لاستخلاص الدرس والعبرة وليس بالانجراف خلفها. فالرسالة التي عبر بها إيهود باراك وزير الدفاع عند لقائه بالقادة العسكريين بجيشه قد وصلت فحواها بأن الإسرائيليين عادوا إلي لعبة أو هواية المسارات العربية بين فلسطين وسوريا لكسب الوقت, وتأخير الحل علي كل المسارات لأن الأهداف الإسرائيلية الراهنة خبيثة, وتحمل من الغطرسة والعدوانية الكثير ضد مصالح العرب والفلسطينيين.
فالإسرائيليون يخططون لزيادة الاستيطان ليبتلع30% من الضفة الغربية والقدس الشرقية, وبذلك يتم هضم أكثر من نصف مليون مستوطنة في الأراضي الفلسطينية.
………………………………………………….
ونحن الآن مقبلون علي قمة عربية في مارس المقبل بطرابلس, ولابد أن يتعاون العرب لحماية المصالح العربية والفلسطينية, وألا يتركوا الورقة العربية في أيدي قوي إقليمية متصارعة سواء إيران, أو إسرائيل, أو حتي الولايات المتحدة الأمريكية, وعليهم حماية مصالحهم وعدم استباق الأحداث.
وحماية الورقة العربية والقضايا العربية من أمريكا أو إيران أو من أن تستخدمها إسرائيل لجر العرب إلي صراعات أو حروب إقليمية جديدة يجب أن ينتبه لها العرب بالجدية اللازمة, وأن تكون قمتهم المقبلة عنوانا للقدرة علي إدارة الصراع وليس الوقوع في أفخاخ أصحاب دق طبول الحروب, التي تحمي مصالحهم وتدفعهم إلي هضم أو تضييع المصالح العربية.
ومازال أمام الأطراف العربية الكثير للتحرك قبل قمة طرابلس حتي يظهر التنسيق العربي في مكانه, وتبرز قوته في مواجهة المتطرفين, وصناع الحروب, والتوتر, والمستفيدين منه.
وعلي حماس في غزة أن تسارع بنقل قدميها بالكامل من السلة الإيرانية عبر توقيع اتفاق المصالحة مع الضفة, وأن تعترف بأن إيران تقف حجر عثرة أمام الحل العربي حتي يتم تفويت الفرصة بالكامل علي القوة, التي تجر المنطقة إلي الصراعات المسلحة, وهي القوة, التي تعطي للمتطرفين ذرائع الحرب, وأن تتوقف الجماعات التي تمارس الحرب عبر الميكروفونات.
وأن نعود جميعا إلي جادة الصواب, الذي تقوده مصر في المنطقة, فهي صاحبة السياسة الجادة والحكيمة, التي تركز علي هزيمة المتطرفين وصناع الحروب في منطقتنا, الذين يسرقون القضية العربية لمصلحة الملف النووي الإيراني, وما تطرحه مصر الآن هو العودة إلي ترسيم الحدود بين فلسطين وإسرائيل وهي المعادلة الصعبة والدقيقة التي تعود بالمفاوضات إلي النقطة, التي انتهت إليها, وليس إلي نقطة استخدام المفاوضات كغطاء للاستيطان أو دوامة المفاوضات.
حكمة مبارك ومعرفته الدقيقة بتبعات الصراع العربي ـ الإسرائيلي وإدارة الصراع المتتابع مع الحكومات الإسرائيلية تجعله القائد القادر علي إنقاذ العرب في الموقف الراهن.
ولكن هذا لا يتأتي إلا عندما تنعقد إرادة جميع العرب علي ألا يسقطوا رهينة اللعبة الإيرانية ـ الإسرائيلية بل الأمريكية أيضا.
………………………………………………….
إننا لا نريد الاتجار بالحروب أو دغدغة عواطف الجماهير, وعلينا أن نهتم بصنع السلام, وهي عملية صعبة وشاقة, وتتطلب الكثير من الجهد والحكمة, والحركة السياسية في العمق, فالعرب في قمتهم المقبلة عليهم أن يواجهوا مشكلاتهم بروح جديدة تتسم بالشجاعة والبعد عن المزايدة أو التورط مع أمريكا أو إيران أو إسرائيل.
ويجب ألا يسددوا فاتورة الحرب علي إيران أو العقوبات عليها لمصلحة أي فريق أو طرف, وعلي الجماعات أو الأحزاب والدول المتعاونة المنخرطة في هذا الملف أن تنأي بنفسها عن الوقوع في هذا الشرك.
إننا نكاد نري صحوات ولو طفيفة تتنامي بين بعض تلك القوي, فالكرة في ملعب العرب وهم قادرون علي حماية مصالحهم, وعلي الجانب الآخر فإننا نري إسرائيل تعد نفسها بقوة للخيار العسكري, برغم أن الظروف الراهنة تجعلها غير قادرة بمفردها علي هذه المغامرة دون موافقة أمريكية, وعلي العرب جميعا مساعدة مصر وجهودها الجبارة لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بوقف الاستيطان, الذي يعتبر أخطر من الحروب, وألا يعودوا إلي مفاوضات شكلية. وحماس عليها أن تنهي ارتباطاتها الراهنة مع إيران, وأن تصب جهودها وراء المصالحة والحل العربي, ولا داعي لأن تقف بقدم هنا وأخري هناك خارج المنطقة, فالعرب أمامهم فرصة سانحة في قمتهم المقبلة للخروج بالمنطقة من مهب رياح الحروب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى