مقالات الأهرام اليومى

ما وراء حديث النقاب

حديث النقاب الذي رددته أخيرا وسائل الإعلام مقرونا بالإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي لن يكون آخر محطات النقد والهجوم علي فضيلته وكثيرين غيره من علماء الأزهر‏.‏ فالرجل تعرض لكثير من حملات النقد منذ أن ولي مشيخة الأزهر‏.‏ ولقد واجه الرجل قدره بشجاعة وجرأة وموقف صلب لم يحد عنه‏.‏ وهو يعلم قبل غيره أنه تبوأ أعلي المناصب الدينية في العالم الإسلامي في زمن غير مسبوق‏.‏ زمن اجترأ فيه أشباه المتعلمين علي الفتوي‏,‏ واختلطت أمور الدين عند البعض بالسياسة فأخضعوا أحكامه لأهوائهم‏.‏ زمن يبحث فيه الناس عما يبرر من الدين أفعالهم ورغباتهم وأهواءهم ومصالحهم دون اكتراث بمصلحة الأمة التي تعلو كل مصلحة‏.‏ لم يسلم الرجل من الغمز واللمز وهو يواجه أمة انتشرت في جسدها تدرنات تهدد وجودها وأمنها ومصالحها‏,‏ وتتستر بتراث فقهي ساد عصور انحطاط الأمة‏.‏ زمن لم نعد نعرف فيه أدب الاتفاق وأدب الاختلاف ومعني احترام العلماء الكبار‏.‏ اجترأ الجميع علي الدين وجلس فينا الصغار علي مقاعد العلماء في الزوايا والمساجد وأمام كاميرات التليفزيون‏.‏

سوف يدفع الشيخ الجليل ثمن إخلاصه ورغبته في أن يري أمته تنهض بين الأمم مستندة إلي صحيح الدين‏,‏ تبرهن في جلاء علي صلاحية هذا الدين الحنيف لتوجيه أمم المسلمين في كل مكان وزمان‏.‏ سوف يدفع ثمن مواقفه الصلبة في مواجهة القوي التي تريد تسييس الأزهر واختراقه وإحداث الفرقة بين علمائه‏.‏ ظل الشيخ الكبير منذ ولي منصبه صامدا في مواجهة أولئك الذين يريدون النيل من هيبة الأزهر وإضعاف تأثيره حتي ينفردوا بالمسلمين يصوغون ضميرهم الديني بما يحقق لهم أهدافهم‏.‏ لم يتركوا مناسبة تمر أو حادثة تقع إلا وحاولوا النيل من علمائنا الثقات‏.‏

وحين يتحدث عالم جليل أنفق عمره المديد في البحث في مصادر التشريع فلا يمكن أن يتجرأ علي آرائه من هم دونه علما ومنزلة‏.‏ هو إمام يتفق معه ويختلف آخرون ممن هم في مثل علمه وفضله‏.‏ والاختلاف الفقهي تاريخ ممتد في حياة المسلمين ولكن البعض من مسلمي هذا الزمان حولوا الاختلاف إلي احتراب وفتنة‏.‏ ولو كان صالح الدين والدنيا هدفهم لكانت آراء الشيخ جديرة بالتوقير عندهم عملا بمبدأ الاختلاف بين الفقهاء‏,‏ ولكنهم يريدون بكل اختلاف فتنة تنشر الشك في المؤسسات الدينية واليأس من العلماء الذين يكشفون في كل يوم بطلان ما يقولون وينشرون‏.‏

حين تحدث شيخ الأزهر عن النقاب في إحدي مدارس البنات‏,‏ لم يكن الرجل يتحدث بهذا الحديث للمرة الأولي فقد سبق وتكلم وكتب كثيرا‏,‏ ولكن التشويش علي الرجل كان مطلوبا فاختلط حديثه إلي الفتاة بفتواه حول النقاب‏.‏ وأصبح المناخ مهيأ للنيل من قرارات المجلس الأعلي للأزهر بهذا الخصوص‏.‏ وسرعان ما تلقفت جهات خارجية هذا الموضوع ولها في النيل من الأزهر أيضا أهداف قديمة ومعروفة‏.‏ هذا الموقف من الأزهر داخليا وخارجيا معروف‏.‏ فالأزهر الذي قدم للعالم الإسلامي دين الله صحيحا خالصا يبني به وعليه آماله يظل عقبة تحول دون أحلامهم الهادفة إلي عزل المسلمين عن واقعهم وحصرهم في آراء واجتهادات رجال قالوا كلمتهم في عصرهم ومضوا‏.‏ وفي الأزهر رجال لهم أن يقولوا كلمتهم في عصرهم مثل مئات من الفقهاء غيرهم في كل العصور‏.‏ ولئن ظل الأزهر قلعة الإسلام الحصينة ومنارة المسلمين في قادم الزمان‏,‏ فقد خاب سعيهم داخل مصر وخارجها‏.‏

Osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى