مروة الشربيني.. ضحية من؟

إنها جريمة بشعة .. تلك التي راحت ضحيتها مروة الشربيني في قاعة من قاعات القضاء الألماني, وعلي مرأي ومسمع من القضاة والشرطة الألمانية. وجاءت ردود أفعال الحكومة الألمانية ووسائل الإعلام هناك لترسم صورة قاتمة حول ما وصلت إليه الاتجاهات والأفكار الكامنة نحو الإسلام والمسلمين. وأخشي أن يكون اغتيال مروة الشربيني مقدمة لحوادث عنف, تدخل العلاقة بين المسلمين والأوروبيين في دائرة خبيثة, تهدد آمالا مازالت قائمة في تعايش آمن بين العرب والمسلمين, وغيرهم من الشعوب والثقافات الأخري. رحم الله الفقيدة.
إن جريمة قتل مروة الشربيني تفتح ملف الموقف من المسلمين في الدول الأوروبية التي تعيش فيها أقليات مسلمة. إذ لم تعد كلمات السياسيين الرسميين الأوروبيين, التي تتحدث عن التعايش والتسامح, تكفي لتخفيف العداء المتصاعد لدي المتطرفين اليمينيين الأوروبيين. ولا لوقف الاهتمام الإعلامي الأوروبي بكل سلبية تصدر عن مسلم أو تقع في بلد إسلامي. والحقيقة أن تصاعد العنف ضد المسلمين يتحمل السياسيون جانبا من مسئوليته, خاصة أنهم يعلمون أن التربص بالإسلام والمسلمين أصبح واضحا لدي بعض قطاعات المجتمع في أوروبا.
ولاشك أيضا أن الحكومات الأوروبية تتحمل مسئولياتها عن عدم دمج الأقليات المسلمة في المجتمع الذي يعيشون فيه. وهي أيضا مسئولة عن فشل الديمقراطيات الأوروبية في استيعاب الأقليات المسلمة التي تؤدي خدمات هائلة للاقتصادات الأوروبية التي يمكن أن تتعرض لانتكاسات دونهم. ومن هنا كان يتعين علي هذه الدول أن تجد حلا لأزمة هذه الأقليات التي ولد ونشأ معظم أبنائها في المجتمعات الأوروبية. ولكن الديمقراطيات الأوروبية عجزت عن التسامح معهم واحترام حقوقهم, وراح السياسيون يتشدقون بحجج واهية في مواجهة الحجاب وبناء دور العبادة.
فالديمقراطيات الغربية التي أظهرت تسامحا هائلا مع المثليين وغيرهم عجزت عن أن تقر بحق المسلمة في وضع قطعة من القماش علي رأسها تتقرب بها إلي الله. وتعرف الحكومة ووسائل الإعلام في ألمانيا جيدا كيف تنامي العداء ضد المسلمين لأسباب اجتماعية واقتصادية ودينية. وهو عداء يمكن أن يؤدي إلي الجريمة.
ولكنها لم تفعل شيئا إزاءه, حتي دفعت سيدة مصرية بريئة دمها ثمنا لتخاذل الدولة في مواجهة العداء المتصاعد, ولا أحد يبرئ الساسة الغربيين من تصاعد العداء ضد المسلمين في سياق الحرب علي الإرهاب التي كان دافعها ممارسات حفنة من المتطرفين أذاقوا المسلمين أنفسهم ويلات الإرهاب, قبل أن تعانيه الولايات المتحدة وأوروبا.
وقد انزلق هؤلاء الساسة إلي تصريحات معادية للإسلام, كانت تصب في النهاية في واقع ثقافي مهيأ لإدانة الإسلام والمسلمين.
إن التحركات الأخيرة من جانب الحكومة الألمانية ـ التي تمثلت في واجب العزاء الذي قدمته أنجيلا ميركل للرئيس مبارك, وصدور بيانات رسمية أكثر حدة في مواجهة الجريمة والاهتمام الإعلامي الذي بدأ يظهر بعد تشييع جنازة مروة الشربيني في الإسكندرية ـ تضع الحكومة ووسائل الإعلام الألمانية عند مسئوليتهما لاحتواء الغضب الذي يمكن أن يؤدي إلي المزيد من أحداث العنف. ومثلما قالت ميركل للرئيس مبارك إن هناك عشرات الآلاف من المصريين والعرب والمسلمين يعيشون في ألمانيا, وإن هذا الحادث يعد حادثا فرديا, وإنه لايمثل بأي حال من الأحوال نوعا من كراهية الأجانب أو التعصب في المجتمع الألماني,
إلا أن خطوات كثيرة منتظرة من الحكومة الألمانية لتجاوز الأزمة وإعداد المناخ لتعايش أكثر أمنا وسلاما بين الجميع في ألمانيا. فالتصريحات والنيات وحدها لن تمنع تكرار ما حدث. ولكن السياسات والإجراءات في مواجهة المتعصبين كفيلة بترجمة تلك التصريحات إلي واقع ممكن ومحتمل. فالموقف الرسمي الألماني الذي تمثل في كلمات ميركل للرئيس مبارك, والبيانات الرسمية التي تأخرت ولكنها صدرت بالإدانة وجهود السفارة الألمانية في القاهرة, كلها ليست سوي خطوة أولية علي طريق ممتد لتجاوز الأزمة الكامنة علي الطرفين.
وعلي المستوي الشعبي الألماني لايمكن تعميم كراهية الإسلام والمسلمين بين الألمان, ولكن قطاعا متشددا ومتعصبا كفيل بإفساد الموقف العام, فحوادث الاحتجاج من اليمينيين ضد المسلمين كثيرة. فقد سبق أن تجمع اليمينيون في مدينة كولونيا احتجاجا علي التصريح ببناء مسجد للمسلمين له قبة ومئذنة. وكادت المواجهات تتطور إلي الأسوأ. ثم انتقل الاحتجاج ضد المسجد إلي احتجاج ضد الوجود الإسلامي في أوروبا, وتداعي إلي هذا الاحتجاج يمينيون آخرون من خارج ألمانيا. وهذا التحول في الاحتجاج من رفض بناء مسجد إلي رفض الوجود الإسلامي جاء نتيجة شحن مستمر لم تتوقف عنه وسائل الإعلام الألمانية.
فالإعلام الألماني أكثر حرصا علي ربط الإسلام بالإرهاب, برغم التقارير الأوروبية التي تؤكد أن الأنشطة الإرهابية للجماعات اليسارية والمتطرفة والانفصالية تفوق أعمال الإرهاب التي تقوم بها جماعات إسلامية متطرفة. كما أن تقارير وزارة الداخلية الألمانية لاتضع المسلمين علي رأس الجماعات التي تقوم بأعمال منافية للدستور الألماني. ومع كل ذلك فإن الأعمال الإرهابية التي تقوم بها جماعات إسلامية متطرفة تلقي من الإعلام الألماني كل اشكال الاهتمام والإبراز والتضخيم. وهكذا كرس الإعلام الغربي ظاهرتين: أولاهما الخوف من الإسلام. والثانية الترهيب منه.
وكذلك علي الجانب الإسلامي هناك أخطاء كثيرة ترتكب وتساعد في إذكاء العداء علي الجانب الآخر. فالجماعات المتطرفة التي روعت الآمنين في بلاد المسلمين وغير المسلمين تتحمل جزءا كبيرا من المسئولية عن الأزمة الراهنة. وأيضا جماعات الإسلام السياسي التي تتستر وراء بعض جماعات المسلمين في أوروبا حيث تحركها خدمة لأهدافها, وينظر الأوروبيون إلي كثير من ممارسات المسلمين في بلادهم علي أنها مغايرة ومهددة لثقافتهم, ولذلك يخشون من هذه الثقافة الوافدة. ويتعين علي المسلمين أيضا تقديم ثقافتهم بالشكل الذي يتواءم مع ثقافة الدول التي يعيشون فيها.
وأن يحترموا الدول التي تعمل بقوانين وضعية, ولايجهر الدعاة منهم بالدعوة إلي تطبيق الشريعة الإسلامية في هذه البلدان أو تحدي المواطنين بالذبح العلني في عيد الأضحي, بدعاوي ليست من أصل الدين الإسلامي.
وهناك أيضا علي الجانب الإسلامي من يتربص بكل حادثة ليصب الزيت علي فتنة نائمة, ويشعل الغضب والعداء للغرب في بلاد المسلمين. وقد تشكلت جماعات ترصد كل حادثة يكون أحد طرفيها مسلما للحديث والصراخ ضد الظلم الذي ينزل بالمسلمين وتدعو للقصاص. وهؤلاء هم دعاة تعميم العداء, فبين الألمان كثيرون متعاطفون مع المسلمين, كما هو الحال في بريطانيا وفرنسا وهولندا وغيرها. ولكننا بسلوك الغضب ندفعهم للعداء حين نشهر في وجوه الجميع عداءنا.. تماما مثلما فعلنا مع رسام نشر رسوما مسيئة للنبي صلي الله عليه وسلم.
حيث اعتبرناه والصحيفة التي نشرت رسومه وكأنهما الدنمارك بأسرها, فناصبناها العداء, وهكذا جرحنا كبرياء كثيرين من المتعاطفين معنا ومع قضايانا, فاستثرنا غضبهم وزاد العداء ضدنا.
وحين نحتج علي ما لقيته مروة الشربيني من طعنات غادرة في ساحة المحكمة, فإن ذلك لا يدفعنا إلي مناصبة الألمان جميعا العداء وأن نصور للبعض منا أن كل ألماني عدو للإسلام, فيخشانا من يتعاطف معنا ويخرج متطرف من بيننا يمارس عدوانا علي روح بريئة.
إن مقتل مروة الشربيني يفتح بابا لأزمة كبري لانعلم مداها وتداعياتها, ومواجهة هذه الأزمة تحتاج إلي شيء من التفكير العقلاني بدلا من أن نخضع للغضب العارم الذي يزيد الأزمة ويزيد من ضحاياها علي الجانبين. وألا نستمع كثيرا لقوي تريد للأزمة أن تزيد اشتعالا خدمة لأهدافها داخل العالم الإسلامي وخارجه.
osaraya@ahram.org.eg
