ماذا بعد الانتخابات اللبنانية..مـأزق.. أم إنفـراج ؟

يستحق الشعب اللبناني بكل طوائفه التهنئة علي إنجاز الانتخابات البرلمانية, خاصة الأغلبية الفائزة.. فلقد كان7 يونيو2009 يوما لبنانيا وعربيا بامتياز, حيث حافظ اللبنانيون عبر صناديق الانتخابات علي خصائص لبنان التي نعرفها. إذ لم يفز المعتدلون والوسطيون الديمقراطيون فقط, بل فاز منهج الدولة المتنوعة, فلبنان الذي عرفه العرب لا يمكن أن يحيا تحت حكم شمولي وقبضة حديدية دينية, كما أنه لا يمكن خطفه بواسطة طائفة واحدة تتحكم فيها النزعة الشمولية الدينية المذهبية, تتطلع إلي أن تحكم بلدا متعددا متنوعا, بينما هي محكومة بدورها من الخارج.
لقد انتصر منهج الدولة.. المنهج الذي يهدف إلي استعادة الدولة اللبنانية عبر تدعيم مؤسساتها, وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة والحكومة والبرلمان.
انتصر منهج لبنان الدولة لا لبنان الساحة للصراعات التي تخوضها قوي إقليمية تهدف إلي السيطرة والهيمنة, ليس علي لبنان فقط, بل علي المنطقة كلها, وتزعم أنها قادرة علي تحديد اتجاه المستقبل فيها.
واليوم تتطلع إلي أن تكون الأغلبية الفائزة من كل الطوائف ـ السنة والشيعة والدروز والمسيحيون بكل طوائفهم… ـ قادرة علي وضع حد لمنهج إضعاف لبنان وإضعاف الدولة لمصلحة الغير, حتي ولو كان عربيا أو إقليميا يدعي الدفاع عن طائفة داخله, والحيلولة دون أن يتحول لبنان إلي ساحة للصراعات والحروب بالوكالة, وترك الأمور إلي أن وصلت إلي خوض معارك وحروب بالنيابة علي أرض لبنان الذي لم يعد قادرا علي تحمل المزيد من هذه المعارك والمغامرات العبثية.
لقد شعرنا جميعا كعرب بالسعادة لانتصار لبنان, فلقد كشفت الانتخابات أن الشعب اللبناني قادر, وأنه قوي بما يكفي للحفاظ علي لبنانيته وعروبته في مواجهة المنهج الذي يريد إدراج هذا البلد ضمن مشروع غير عربي, فلا يمكن للبنان البلد الصغير الكبير في وجدان العرب وعقولهم بقدرته الفذة علي الحفاظ علي عروبته المنفتحة المتفاعلة مع الثقافة الغربية وغيرها من الثقافات, أن يتقزم وينحصر دوره في خدمة المشروع الإيراني.
لقد احترم الجميع( سنة وشيعة ودروزا ومسيحيين وغيرهم..) إرادة الشعب اللبناني, وسمحوا بانتخابات حرة برغم وجود حزب الله الذي يملك السلاح, ويستطيع عمليا الهيمنة علي الدولة, وقد جرب ذلك في العام الماضي في7 مايو( آيار).
وبقي أن يثبت الجميع أنهم يستحقون الدولة, فالتحدي القادم هو الوفاق والمصالحة.. هناك امتحان عسير للجميع, ولا يمكن أن تقول الأغلبية إننا حققنا النصر المريح وتركن إلي الاستقطاب, ولا يمكن للأقلية أن تقول إننا نملك السلاح أو حق الفيتو.. إذا خرجوا خرجنا وإذا جربوا أن يحكموا تسلطنا عليهم, فهم في المأزق الكبير كما يقولون ويصرحون.. كلهم في الامتحان أغلبية وأقلية.
وأقول لهم: كما انتصر لبنان للانتخابات, قد تخسرون إذا لم تتفقوا بدون تهديد باستخدام السلاح الخفي أو الورقة الأخيرة التي تنتظر ساعة الأزمة والاحتكام للكارثة, لكي تظهر.. لقد حانت لحظة الحكم الصحيح بقوة الرئيس ميشيل سليمان, دون تسلط ميشيل عون, وبنهج رفيق الحريري الذي عاد قويا بزعامة سعد الحريري, وبتصحيح سياسات نبيه بري لدوره النيابي, ويجب أن يدرك حسن نصر الله وحزبه طبيعة لبنان وظروف المنطقة والتطورات الإقليمية, ويسلم بالدور السياسي وليس بدور القائد الميليشاوي العسكري المتسلط بالدعم الإيراني الخارجي علي الدولة والقانون.
osaraya@ahram.org.eg
