مقالات الأهرام اليومى

نيتانياهــو ‏2009‏

موقف مصر واضح من حل مشكلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي بالالتزام بالتسوية وحل الدولتين‏,‏ أي ضرورة اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بنيامين نيتانياهو بالدولة الفلسطينية‏,‏ وهذا الموقف كان البند الأول لمباحثاته بشرم الشيخ في أول لقاء سياسي له خارج بلاده‏.‏

وقد ظهرت التناقضات والتعارضات بين الموقفين المصري والإسرائيلي‏,‏ منذ الدقيقة الأولي في تصريحات رئيس الوزراء قبل قدومه للقاهرة وهي لا تخدم عملية السلام‏,‏ فالفجوة بين البلدين تتزايد‏..‏ وأولويات نيتانياهو غير أولويات مصر‏,‏ وعلاقات مصر وإسرائيل لا يمكن أن تستقر أو تتطور إلا عبر السلام في كل الشرق الأوسط‏,‏ أي قيام الدولة الفلسطينية وانسحاب إسرائيل من كل الأراضي المحتلة عام‏1967‏ في فلسطين وسوريا ولبنان‏,‏ وفي مقدمتها القدس العربي الشريف‏.‏

لقد سمع نيتانياهو في شرم الشيخ ما توقعه قبل الزيارة‏,‏ وكتبته الصحافة الإسرائيلية‏,‏ عن صلابة وقوة موقف مصر ورئيسها حسني مبارك‏,‏ حيال القضية الفلسطينية ورفضها الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة وفي مقدمتها القدس‏.‏

وصل نيتانياهو إلي شرم الشيخ تسبقه تحليلات سياسية‏,‏ تري أن رئيس الوزراء قد تغير‏,‏ وأن نيتانياهو‏2009‏ الذي تولي السلطة في نهاية مارس الماضي غيره في سنوات حكمه الأول في‏1996‏ ـ‏1999,‏ وهي السنوات التي تجمدت فيها عملية السلام‏.‏

ومازلنا نتذكر زيارته الأولي للقاهرة‏,‏ ثم اتخاذه مواقف متصلبة‏,‏ أدت إلي توتر علاقاته مع مصر وعزله‏,‏ ثم سقوطه في أول انتخابات جرت بعد ذلك‏.‏

والتساؤل هو‏..‏ هل نيتانياهو الذي يبلور اتجاهه وسياساته الآن عبر عدة لقاءات بدأها في مصر‏,‏ ثم يتجه إلي واشنطن في‏21‏ مايو الحالي يسعي ليكون رجلا في التاريخ مثل بيجين ورابين‏,‏ كما قال عنه بيريز أخيرا في مؤتمر الإيباك‏,‏ أو يكون مثل أستاذه في السياسة رئيس الحكومة الأسبق إسحاق شامير ويخضع للضغوط الداخلية التي من الممكن أن تدفعه إلي خزانة التاريخ‏.‏

لقد جرت أمس مباحثات شرم الشيخ بين مصر وإسرائيل‏..‏ والعالم والمنطقة قد تغيرا كثيرا‏,‏ فمصر في وضع استراتيجي أفضل بكثير علي كل المستويات‏,‏ بينما الائتلاف الإسرائيلي الحاكم يواجه مأزقا صعبا علي كل المستويات‏,‏ والعلاقات الأمريكية الحيوية مع إسرائيل ليست في أفضل حالاتها‏,‏ بل إن التناقض بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة أوباما بدأ يظهر علي السطح‏,‏ وإذا أعطي نيتانياهو مواقف أكثر قبولا للموقف الأمريكي‏,‏ فقد يعرض ذلك ائتلافه للتفكك بخروج إسرائيل بيتنا وليبرمان‏,‏ وإذا أعطي مواقف متصلبة‏,‏ فإنه يعرض ائتلافه للتفكك بخروج حزب العمل الذي يعاني من تصدع شديد بعد استقالة سكرتيره العام كابل‏,‏ واحتجاج أعضائه علي تأييد رئيس الحزب إيهود باراك لرئيس الحكومة نيتانياهو‏..‏ والخلافات واضحة بين الأجنحة‏..‏ بين باراك وليبرمان‏..‏ وبين الدفاع والخارجية حول توجهات إسرائيل المستقبلية‏,‏ وبالذات فيما يتعلق بنقطتي الحل الشامل والانسحاب من الجولان السورية‏.‏

……………………………………………………..‏

إن نيتانياهو يحاول تجميع الأوراق للإعداد للقائه مع أوباما في واشنطن‏,‏ وأولوياته الثلاث هي‏:‏ الخطر النووي الإيراني أولا‏,‏ وتشكيل جبهة عالمية لمواجهته ثانيا‏,‏ ثم ثالثا معالجة القضية الفلسطينية وليس من بينها حل الدولتين أو الحل السياسي للقضية الفلسطينية‏,‏ وهنا يصطدم بالموقف المصري‏,‏ الذي يعمل ويؤمن بأن الحل الشامل هو الخيار الوحيد لإسرائيل‏,‏ وأن المماطلة أو التهرب عبر إضاعة الوقت فيما يسمي السلام الاقتصادي أو بناء السلام من أسفل إلي أعلي كلها تخريجات إسرائيلية تراها مصر تهربا من دفع استحقاقات السلام والاستقرار الإقليمي ولا يمكن القبول بها‏.‏

أما الموقف المصري من إيران فهو لا يخدم الموقف الإسرائيلي‏,‏ فمصر تطالب بإخلاء المنطقة كلها من أسلحة الدمار الشامل مع إلزام إسرائيل وإيران بالتوقيع علي معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية‏.‏

ومن جديد لم يستطع نيتانياهو في شرم الشيخ الإيحاء بأن لديه خيارات أخري من المقرر أن يعرضها علي الرئيس الأمريكي‏,‏ ولن تسمح له مصر بالتهرب من إعلان ملزم بحل الدولتين‏.‏

وأصبح علي نيتانياهو إذا أراد أن يكون مختلفا‏,‏ أن يعيد قراءة كلمة الرئيس مبارك العميقة‏:‏ السلام ليس مستحيلا‏,‏ وأن السلام يصنعه الأقوياء‏,‏ ويحققه من يملكون شجاعة اتخاذ القرارات‏,‏ والقادرون علي الالتزام بتنفيذها‏..‏ هذا هو الطريق الوحيد حتي لا نستمر في تضييع الفرص التي لا تؤدي إلا إلي الحلقة المفرغة للعنف والعنف المضاد‏.‏

osaraya@ahram.org.eg

موقف مصر واضح من حل مشكلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي بالالتزام بالتسوية وحل الدولتين‏,‏ أي ضرورة اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بنيامين نيتانياهو بالدولة الفلسطينية‏,‏ وهذا الموقف كان البند الأول لمباحثاته بشرم الشيخ في أول لقاء سياسي له خارج بلاده‏.‏

وقد ظهرت التناقضات والتعارضات بين الموقفين المصري والإسرائيلي‏,‏ منذ الدقيقة الأولي في تصريحات رئيس الوزراء قبل قدومه للقاهرة وهي لا تخدم عملية السلام‏,‏ فالفجوة بين البلدين تتزايد‏..‏ وأولويات نيتانياهو غير أولويات مصر‏,‏ وعلاقات مصر وإسرائيل لا يمكن أن تستقر أو تتطور إلا عبر السلام في كل الشرق الأوسط‏,‏ أي قيام الدولة الفلسطينية وانسحاب إسرائيل من كل الأراضي المحتلة عام‏1967‏ في فلسطين وسوريا ولبنان‏,‏ وفي مقدمتها القدس العربي الشريف‏.‏

لقد سمع نيتانياهو في شرم الشيخ ما توقعه قبل الزيارة‏,‏ وكتبته الصحافة الإسرائيلية‏,‏ عن صلابة وقوة موقف مصر ورئيسها حسني مبارك‏,‏ حيال القضية الفلسطينية ورفضها الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة وفي مقدمتها القدس‏.‏

وصل نيتانياهو إلي شرم الشيخ تسبقه تحليلات سياسية‏,‏ تري أن رئيس الوزراء قد تغير‏,‏ وأن نيتانياهو‏2009‏ الذي تولي السلطة في نهاية مارس الماضي غيره في سنوات حكمه الأول في‏1996‏ ـ‏1999,‏ وهي السنوات التي تجمدت فيها عملية السلام‏.‏

ومازلنا نتذكر زيارته الأولي للقاهرة‏,‏ ثم اتخاذه مواقف متصلبة‏,‏ أدت إلي توتر علاقاته مع مصر وعزله‏,‏ ثم سقوطه في أول انتخابات جرت بعد ذلك‏.‏

والتساؤل هو‏..‏ هل نيتانياهو الذي يبلور اتجاهه وسياساته الآن عبر عدة لقاءات بدأها في مصر‏,‏ ثم يتجه إلي واشنطن في‏21‏ مايو الحالي يسعي ليكون رجلا في التاريخ مثل بيجين ورابين‏,‏ كما قال عنه بيريز أخيرا في مؤتمر الإيباك‏,‏ أو يكون مثل أستاذه في السياسة رئيس الحكومة الأسبق إسحاق شامير ويخضع للضغوط الداخلية التي من الممكن أن تدفعه إلي خزانة التاريخ‏.‏

لقد جرت أمس مباحثات شرم الشيخ بين مصر وإسرائيل‏..‏ والعالم والمنطقة قد تغيرا كثيرا‏,‏ فمصر في وضع استراتيجي أفضل بكثير علي كل المستويات‏,‏ بينما الائتلاف الإسرائيلي الحاكم يواجه مأزقا صعبا علي كل المستويات‏,‏ والعلاقات الأمريكية الحيوية مع إسرائيل ليست في أفضل حالاتها‏,‏ بل إن التناقض بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة أوباما بدأ يظهر علي السطح‏,‏ وإذا أعطي نيتانياهو مواقف أكثر قبولا للموقف الأمريكي‏,‏ فقد يعرض ذلك ائتلافه للتفكك بخروج إسرائيل بيتنا وليبرمان‏,‏ وإذا أعطي مواقف متصلبة‏,‏ فإنه يعرض ائتلافه للتفكك بخروج حزب العمل الذي يعاني من تصدع شديد بعد استقالة سكرتيره العام كابل‏,‏ واحتجاج أعضائه علي تأييد رئيس الحزب إيهود باراك لرئيس الحكومة نيتانياهو‏..‏ والخلافات واضحة بين الأجنحة‏..‏ بين باراك وليبرمان‏..‏ وبين الدفاع والخارجية حول توجهات إسرائيل المستقبلية‏,‏ وبالذات فيما يتعلق بنقطتي الحل الشامل والانسحاب من الجولان السورية‏.‏

……………………………………………………..‏

إن نيتانياهو يحاول تجميع الأوراق للإعداد للقائه مع أوباما في واشنطن‏,‏ وأولوياته الثلاث هي‏:‏ الخطر النووي الإيراني أولا‏,‏ وتشكيل جبهة عالمية لمواجهته ثانيا‏,‏ ثم ثالثا معالجة القضية الفلسطينية وليس من بينها حل الدولتين أو الحل السياسي للقضية الفلسطينية‏,‏ وهنا يصطدم بالموقف المصري‏,‏ الذي يعمل ويؤمن بأن الحل الشامل هو الخيار الوحيد لإسرائيل‏,‏ وأن المماطلة أو التهرب عبر إضاعة الوقت فيما يسمي السلام الاقتصادي أو بناء السلام من أسفل إلي أعلي كلها تخريجات إسرائيلية تراها مصر تهربا من دفع استحقاقات السلام والاستقرار الإقليمي ولا يمكن القبول بها‏.‏

أما الموقف المصري من إيران فهو لا يخدم الموقف الإسرائيلي‏,‏ فمصر تطالب بإخلاء المنطقة كلها من أسلحة الدمار الشامل مع إلزام إسرائيل وإيران بالتوقيع علي معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية‏.‏

ومن جديد لم يستطع نيتانياهو في شرم الشيخ الإيحاء بأن لديه خيارات أخري من المقرر أن يعرضها علي الرئيس الأمريكي‏,‏ ولن تسمح له مصر بالتهرب من إعلان ملزم بحل الدولتين‏.‏

وأصبح علي نيتانياهو إذا أراد أن يكون مختلفا‏,‏ أن يعيد قراءة كلمة الرئيس مبارك العميقة‏:‏ السلام ليس مستحيلا‏,‏ وأن السلام يصنعه الأقوياء‏,‏ ويحققه من يملكون شجاعة اتخاذ القرارات‏,‏ والقادرون علي الالتزام بتنفيذها‏..‏ هذا هو الطريق الوحيد حتي لا نستمر في تضييع الفرص التي لا تؤدي إلا إلي الحلقة المفرغة للعنف والعنف المضاد‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى