جريمة حزب الله المزدوجة

لا أقول إنني لم أكن أعرف, ولكنني لم أصدق أن غرور آية اللة الصغير نزل به إلي شبل الملالي فيعترف ولا يستحي.. بأنه يتطاول علي الكبير صاحب التاريخ العريض ويخترق حدوده ويهدد أمنه.. قال ايه لمساعدة الفلسطينيين(!!).. والقاصي والداني يعرف ما تفعله مصر للفلسطينيين.
ولكن نعود إلي أصل الداء فالشبل أوالملا ليس في أمريكا الجنوبية ولكنه يسيطر وبالفعل, بعيدا عن الدولة والجيش اللبناني, علي أراض محاذية لإسرائيل!
ولكن باعتباره صديقا لإيران ـ كما يصف نفسه وليس كما نعرفه جميعا أحد تشكيلات الحرس الثوري الإيراني ـ كان مكلفا ومازال بأن ينوب عنها في تهديد مصر والضغط عليها لتقبل بدور لإيران في كل قضايانا العربية.. هكذا بكل بساطة فاجأنا حسن نصر الله الذي أكد لنا ما نعرفه عن أن رجال الدين عندما يصبحون زعماء وقادة فهم يعودون بنا إلي مشاهد من التاريخ تسترجع فاشية موسوليني ونازية هتلر, ونحن لم ننسها وهي تتكرر اليوم عبر المحطات التي تسوق لنا بن لادن والظواهري وحسن نصر الله مجددا..
لقد اعتاد الملا الصغير أن يخطب في حشوده التي كبرت في عينيه فظن أنها أمة تأتمر بأمره وتميل مع كلماته, فخرج علي شرعية وطنه وتطلع إلي ما وراء ذلك الوطن الصغير, ولم يجد الملا الصغير من قادة حزبه من يقف إلي جواره ويذكره دوما بحدود أنشطته حتي لا تغريه الحشود فينسي قدراته وإمكاناته.
وهكذا أدارت الحشود والهتافات والأعلام الملونة في الجنوب اللبناني رأس الملا الصغير فظن أنه الزعيم المنتظر, وتطلع إلي الأفق باحثا عن دور أكبر, وزادت إيران رأسه دوارا حين أوكلت إليه بعضا من مهام العبث بأمن القوي المناوئة لها, وأغرته بالهجوم علي مصر وقيادتها وقواتها المسلحة.
لم يفهم الملا الصغير مغزي الترفع المصري عن أقوال صغيرة تصدر عن صغار مثله, فأراد العبث بأمنها متخفيا وراء نفر من ضعاف النفوس الذين تغريهم الأموال بخيانة الأوطان, وذهبت به أوهامه إلي حد الاعتقاد بأن الحرية المتاحة في مصر للتعبير والسفر والترحال يمكن أن توفر له فرصة جيدة للنيل من أمنها واستقرارها والتقرب بدم نفر من المصريين يسقطون في عملياته الإرهابية قربانا لسادته من الملالي في إيران. لم يعرف الملا الصغير شيئا عن الدول الكبري ودوائر الأمن فيها وخبراتها في تعقب فلول الإرهاب, ومغزي العمل من أجل الأمن الوطني فيها.. وربما لم تسعفه خبراته التي تكونت في عصر الفوضي والحرب الأهلية فاجترأ علي دولة أكبر كثيرا مما يظن شبل الملالي.
ولم تكفه جريمته الأولي حين دفع ببعض أعوانه للعدوان علي أمن مصر, ولكن أوهامه دفعته إلي جريمته الثانية حين اعترف في خطابه التبريري في جريمة مزدوجة بأن من سماه بالأخ سامي الذي ألقي القبض عليه في مصر هو عضو في حزب الله, وأن ماكان يقوم به هو عمل لوجيستي في الأراضي المصرية لمساعدة الإخوة الفلسطينيين في نقل عتاد وأفراد لمصلحة المقاومة في فلسطين, وقال أيضا إن الإخوة الذين تعاونوا مع سامي قد لايصل عددهم إلي عشرة, فمارس مرة أخري تلفيقاته وهو يظن أنه يخطب في حشود لا تناقش فقيها شيعيا فيما يقول, وأن قوله الحق. ولكن كلماته كشفت عما كان حريصا علي إخفائه وظهرت المؤامرة التي حيكت ضد مصر في أثناء العدوان علي غزة, ولم ينكر عضوية المتهم في حزبه ولم ينكر أنه مكلف وأن التكليف من حزبه بطبيعة الحال, وحاول أن يصور مهمة الإرهابي المتآمر بالمهمة القومية التي يستحق عنها التكريم لا التحقيق والمحاكمة, وافترض شبل الملالي أن من حق حزبه أن يكلف من شاء بما شاء في أي أرض دون فهم أو اعتبار لسيادة الدول, وافترض أن أرض مصر مباحة للعابثين يفعلون بها ما يشاءون,
يدخلون إليها السلاح تهريبا ويمشون به آمنين في أراضيها حتي يعاد تهريبه مرة أخري إلي الإخوة في غزة. ثم يعترف بأن عضو حزبه المتهم لم يكن وحده ولكنه استعان بعشرة فقط علي حد تعبيره.
أي منطق يتحدث به وأي عقل يمكن أن يصدق هذه الادعاءات الكاذبة؟ وإذا كان حزب الله قد استباح أرضنا.. يهرب إليها ومنها السلاح ويعرض أمننا لمؤامرة كبري تم التخطيط لها في إيران, فما الذي يمنعه من أن يتربص بالمصريين أنفسهم ويشغل الدولة في حوادث من صنعه حتي يخلو للسادة في إيران الجو لتنفيذ مخططاتهم الإقليمية وفرض هيمنتهم التي تحاصرها مصر بقوة حتي الآن.. لم يعد خافيا علي أحد أن أعظم الآمال الإيرانية اليوم أن تتخلي مصر عن السلام وتعود المنطقة إلي مسلسل الحروب الذي يدعم الحلم الفارسي القديم المتجدد. لكن عقول العرب أكثر نضجا مما يقول به حسن نصر الله, فما قاله باطل حاول تغليفه بباطل وهو يظن أنه حق, فتهريب السلاح من الأراضي المصرية لم يكن له سوي هدف واحد هو الوقيعة بين مصر وإسرائيل والدفع بالعلاقة نحو التوتر الذي يؤدي إلي فوضي جديدة في المنطقة, فهذا ما تريده إيران وهذا ما كلفته به.. والحديث عن دعم المقاومة الفلسطينية ليس إلا تقية اعتادها ملالي إيران.. أو أصحاب الملالي الفقيه.. ولن تنطلي تلك الادعاءات علي عاقل يري الشر كل الشر في كل جماعة تحترف السياسة من باب الدين, وعلي شركائهم ووكلائهم السياسيين الإعل اميين أن يحذروا فلقد طفح بنا الكيل ومن حقنا حماية بلادنا من مؤامراتهم.
ومن الطبيعي أن يتخذ شبل الملالي موقفه الذي عبر عنه من القضاء والأمن في مصر. فلم يعرف في حياته إلا الخروج علي الشرعية والقانون وممارسة البلطجة السياسية والعسكرية في بلاده. ولم يعترف بقضاء ولم يحترم مؤسسة أمنية ولم يعرف شيئا عن قضاء مصر وأجهزة الأمن فيها. ولسنا نتوقع منه إلا هذا الموقف بعد أن أحبطت أجهزتنا الوطنية الشريفة الكفء المحترمة مؤامراته الدنيئة, وكشفت للجميع ماذا يخفي سماحة الشيخ تحت عباءته الفضفاضة وعمامته السوداء ؟ وماذا يضمر للمسلمين في مصر؟
لقد وضع الملا الصغير أولئك الذين انخدعوا به في موقف عصيب, فماذا هم قائلون اليوم؟ ليس بعد اكتشاف إرهاب حزب الله في مصر فحسب ولكن أيضا بعد ذلك الذي اعترف به في خطابه وذلك التلفيق الذي لجأ إليه؟ وماذا أنتم قائلون؟
osaraya@ahram.org.eg
