حزب الله وتسويق الوهم

لاينكر أحد أن جريمة حزب الله واعترافات أمينه العام حسن نصر الله استفزت الضمير المصري العام ـ كما لم يستفز من قبل ـ حتي أن المعارضين للنظام بل وللدولة ـ مثل الجماعة المحظورة ـ لم يستطيعوا أن يقفوا ضد الروح المصرية الجارفة للدفاع عن كرامة الوطن وسيادته. واعترفوا تحت قبة البرلمان, بجريمة حزب الله ضد مصر وأمنها القومي. وظهرت روح الصحوة المصرية كحائط صد ضد تطاولات حزب الله علي كرامة مصر وعزتها.. فالمصريون أدري بتضحيات مصر وشعبها من أجل القضية الفلسطينية منذ تفجرها وحتي الآن.. واذا كان البعض في المنطقة العربية يعتقد أنه بالتطاول علي مصر والتهجم علي قياداتها والذي ظهر جليا خلال أيام الاعتداء الإسرائيلي الغاشم علي غزة, أنهم بذلك يدافعون عن الفلسطينيين.
فهم لا يرتكبون خطأ بل يرتكبون جريمة جديدة في حق الفلسطينيين والعروبة. ففي الوقت الذي كانت مصر تعمل فيه بكل قواها مستخدمة رصيدها السياسي والدبلوماسي في عالمها ومحيطها لكشف العدوان ووقفه عند حدوده وحماية غزة, والدفاع عن المصالح الفلسطينية, كانت تلك القوي تلعب لعبتها القذرة بتخطيط إيراني استخدمت فيه كل أدواتها وأحزابها وأموالها لإثارة حرب موازية وعدائية لضرب مصر وسياستها في نظر وعيون العرب بل والعالم كله, فاتهمتها في البداية بالتواطؤ, وعندما انكشفت تلك الفرية أو الفتنة اخترع خيالها المريض والمتآمر تهمة جديدة حاولت إلصاقها بمصر وهي التخاذل والضعف وعندما ظهر الموقف المصري شامخا وقادرا وبعزة لا نظير لها حين حشدت العالم مرتين في شرم الشيخ لوقف العدوان علي غزة وإعادة تعميرها وإحياء حل الدولتين ثم واصلت دورها التاريخي بعد العدوان بتقوية ودعم الفلسطينيين, ولم شملهم وإنهاء تفكك الفصائل الفلسطينية وإعادة الوحدة بين فتح وحماس أو بين الضفة وغزة.
وانكشفت المؤامرة علي مصر وعلي فلسطين معا وصانعيها, ومن يعمل لصالح الفلسطينيين ومستقبلهم, ومن يستخدم القضية ممرا إلي الفتنة, وتحقيق مصالحه الذاتية والأنانية, بل لضرب قضية الشعب الفلسطيني وتهميشها لتحقيق مصالح الحكام في إيران وأحزابهم وعملاؤهم في العالم العربي, والذي أصبح الارتزاق بالقضية االفلسطينية مصدر عيشهم وبقاء نفوذهم السياسي, سواء علي بلادهم أو حماية لمصالح إيران الإقليمية.
ونقول للجميع إن زمن توظيف الشعب الفلسطيني للارتزاق وتكوين نفوذ سياسي وإقليمي انتهي, فالفلسطينيون بلغوا الرشد ويعرفون مصالحهم قبل غيرهم. ولكنهم اليوم فريسة في أيدي من لا يرحم, وهي التيارات الدينية سواء كانت جماعات محظورة في بلادها, أو فريسة لفكرة تصدير إيران لثورتها في منطقتنا العربية.
وهذه هي الحقيقة الخطيرة, التي أضعفت الثورة الفلسطينية في السنوات الأخيرة. فالفلسطينيون حركة تحرر وطني وليسوا جماعة دينية أو أحزابا متطرفة, وعلي الإخوة في حماس أن يعرفوا بوضوح الفرق بين حركة تحرر وطني من أجل فلسطين, وجماعة دينية إسلامية, فهذا هو ما يضعف عدالة القضية الفلسطينية وقوتها في عالمها. ونحن لا ننكر تأثير الإسلام وقوته علي الروح المعنوية للشعب الفلسطيني, ولكنه ليس الاستراتيجية الوحيدة التي تحكم قدرة هذا الشعب علي التحرر. ولعل من هذه النقطة تسلل الإيرانيون إلي جماعة حماس لسرقة قضيتهم وتوظيفها إيرانيا بعيدا عن مصلحة الشعب الفلسطيني.
ونعتقد أن مؤامرة حزب الله علي مصر ستنكشف أمام الإخوة في حماس, ليحصنوا أنفسهم من أن يقعوا فريسة للمؤامرات الإيرانية لتوظيف قضيتهم, وبالتالي هدمها بحجة إعلاء شأنها.
………………………………………………………….
إن محاولات إيران وأنصارها الدفاع عن جريمة حزب الله, بتصوير ما يحدث علي أنه مسرحية مفبركة أو تظاهرة إعلامية لا يعدو أن يكون دفاعا هزيلا لا يقبله عقل, خاصة بعد اعتراف حسن نصر الله نفسه أمام الرأي العام. والأهم أن القضية بكل مشتملاتها وفروعها أمام القضاء المصري, المعروف بنزاهته وشفافيته الكاملة, وبقدرته المهيبة وتجرده ونزوعه إلي الحق والعدالة الكاملة, مما يجعلنا جميعا علي يقين وثقة بكشف الجريمة وحقائقها والوصول إلي العدل الذي هو مطلب الجميع.
ولكن تبقي الدروس والعبر التي تقدمها هذه القضية للرأي العام وللسياسيين في منطقتنا. فالسياسة التي انتهجتها مصر للدفاع عن المصالح العربية الحساسة والوقوف ضد العدوان أيا كانت القوة, التي تحاول أن تفرضه, يعكس وعي المصريين التاريخي بمصالح العرب والمسلمين وهويتهم, وأنها لن تتركهم للعدوان أيا كان مصدره أو هويته. فلا يمكن إخفاء التدخل الإيراني والهيمنة الإيرانية علي المصالح العربية حتي لو ارتدت الثياب الدينية أو الجلباب الفلسطيني فهي لا تصلح لها, بل تعكس تلونها وتلاعبها بمصالحنا الاستراتيجية, ونحن قادرون علي كشفها. وعلي إيران أن تعيد النظر في سياستها تجاه العرب لو أرادت حقا الحصول علي دعمهم في صراعها مع القوي الكبري, وليس إجبارهم علي أن يكونوا تابعين لها.
والذين يصفون ـ عبر وسائل الإعلام ـ ما اقترفه حزب الله من جريمة علي الأراضي المصرية بأنه توتر في العلاقة بين الجانبين يرتكبون حماقة كبري. فأي علاقة تلك, التي يتحدثون عنها بين مصر وحزب الله. وما هو حزب الله حتي يسبغ عليه البعض ذلك الشرف. أي علاقة يتحدثون عنها بين مصر وفصيل الميليشيات, الذي أنهك الجسد اللبناني, الذي نقدره ونحترمه؟ أي علاقة يمكن أن تنشأ بين دولة بحجم مصر وتاريخها ومكانتها وبين ذلك الكيان الذي انتزع من لبنان ليكون رأس حربة لدولة تتربص في الجوار بالعرب واللبنانيين أنفسهم؟ كيان وجد للعبث, واللهو واللعب علي المتناقضات الكثيرة في المنطقة العربية. هذا العبث الذي مارسه ويمارسه لايرتفع به إلي ذلك الوصف, الذي تحاول بعض الأقلام تسويقه في العالم العربي.
لقد أغرت وسائل الإعلام قيادات حزب الله بأن تتجرأ فتناشد مصر معالجة جرائمهم, التي ارتكبوها علي أرض مصر بروية وهدوء. أي هدوء يمكن أن تعالج به مصر مؤامرات عصبة خارجة علي كل عرف وكل قانون؟ لقد اختلطت الأوراق كثيرا في العالم العربي فلم يعد البعض قادرا علي تحكيم أي قدر من العقل أو الحكمة السياسية. والأوضاع السائدة الآن تستدعي الحكمة والرشد في الحكم علي الأشياء أكثر من أي وقت مضي. فقد اختلطت الأوراق وأصبح المكشوف من الحقائق أقل كثيرا من المستور المختبئ. وليس هناك من وسيلة لكشف المستور إلا بالقدرة علي التحليل المتعمق المستند إلي الرشد. وما أقدم عليه حزب الله جريمة في حق الدولة الأكبر في المنطقة ومن واجبها ألا تتساهل مع ألاعيب الصغار, الذين يريدون نشر الحرائق في كل مكان.
وحين يتجرأ حزب الله علي فعل ما فعل في دولة بحجم مصر فماذا هو فاعل في دول أخري؟ وعلي العرب جميعا أن يفهموا تلك الحقيقة, فالتهاون مع حزب الله فيما فعل اليوم في مصر سوف يكون له عواقب وخيمة في كل قطر عربي في الأيام المقبلة. وحين تتخذ مصر موقفا حازما إزاء جرائم حزب الله فإنها تحمي الكثير من الأقطار العربية, التي يمكن أن تتحول إلي مسرح للمزايدات والابتزاز والعبث بأمن تلك البلاد. وعلي الذين يدافعون عن حزب الله خارج لبنان أن يدركوا خطر سياسات ذلك الحزب علي أمن بلادهم. فليس في السياسة عداء مستمر أو صداقة مستمرة. وإذا كانوا اليوم حلفاء لحزب الله فسوف تتعارض المصالح يوما, وتحل العداوة محل التحالف, ويصبح الوقت متأخرا لكبح جماح الحزب, الذي برروا له يوما سوء أعماله.
ومهما يكن موقف البعض في العالم العربي فمصر لن تتهاون فيما يمس أمنها القومي مهما يكن مصدره. وينبغي أن يعلم الجميع أن مصر تترفع عن كثير من السقطات, التي تقع فيها أطراف عربية, ولكنها أبدا لن تتهاون مع أي عبث بأمنها القومي. ولاينبغي في هذا الموقف اللجوء إلي خلط الأوراق لتسويق الكذب والمؤامرات واللعب علي عواطف العرب بشأن القضية الفلسطينية. ولن تعنينا كثيرا حملات الدعاية, التي يدافع بها حزب الله عن جرائمه من خلال وسائل إعلامه, أو من خلال أولئك المنتفعين منه, أو به, أو المخدوعين بشعاراته الكاذبة. فنحن نعرف جيدا ماذا فعل حزب الله مثلما يعلم قادته ما الذي أرادوا فعله في أرض مصر.
………………………………………………………….
ونصيحتي للأشقاء في لبنان ألا يقعوا ضحية للأوراق المغلوطة. حزب الله ليس لبنان وإن كان لبناني الموقع والجنسية. ونحن في مصر لن نأخذ لبنان بجريمة حزب الله. فنحن حريصون علي لبنان وأمنه واستقراره, محبون له, و مقدرون لعطائه. وتاريخنا مع لبنان يشهد علي تلك الحقيقة قبل أن يلصق كيان حزب الله بالجسد اللبناني. فما بين مصر ولبنان أكبر كثيرا من حزب الله وقياداته.
لقد أسرع قادة حزب الله إلي تغطية جريمتهم الشنعاء في مصر برداء القضية الفلسطينية. وكان بوسعهم أن يفعلوا ذلك مع أي دولة أخري غير مصر. لأن القضية الفلسطينية سكنت مصر منذ ظهورها أكثر مما سكنت أي أرض أخري. ولقيت من مصر دعما وجهدا وتضحيات لم تبذلها دولة أخري. فكيف يمكن تسويق هذا الوهم الآن؟ لقد سالت الدماء المصرية من أجل فلسطين قبل أن ينشأ حزب الله, وقبل أن تولد جميع قياداته وقبل أن يظهر علي سطح الحياة السياسية فقهاء الشيعة من الولاة في إيران. بل إن جهود مصر وتضحياتها من أجل فلسطين هي التي أسهمت في تشكيل وجدان قيادات حزب الله نحو القضية الفلسطينية. اليوم وجد حزب الله في قوة أخري نفعا يعمل لحسابها ولحساب أحلامها, وليس هناك اليوم ورقة تغطي سوء الأطماع والأحلام غير القضية الفلسطينية.
لقد امتطي حصان فلسطين مرابون ومغامرون سياسيون ومتاجرون كثيرون. لم يفعلوا شيئا من أجلها ولكنهم أعاقوا كثيرا من الجهود, التي كانت كفيلة بإنهاء معاناة هذا الشعب. ولدينا من الخبرات الكثير مما يمكننا من اختبار حقيقة الشعارات والمواقف, التي تتستر برداء القضية في فلسطين. ولن يأتي حزب الله بعد ستين عاما من عمر القضية يحاول خداعنا بأن فلسطين هي قضيته. إن ميثاق تأسيس الحزب وبرنامجه ووثائقه الرسمية تقول شيئا واحدا: إنه امتداد لدولة الملالي في إيران, وليس هناك إشارة واحدة لفلسطين, التي أصبحت اليوم الورقة التي يداري بها حزب الله سوءته الكبري في الكيد للعرب, والتآمر ضدهم وضد الوطن, الذي يعيش فيه لحساب ملالي طهران.
…………………………………………………………..
لم تعد السياسة في عالم اليوم مهنة من لا مهنة له ولا مجالا للعبث بأقدار الشعوب. لقد مضي زمان تفجير طاقات الغضب الشعبي في مناوشات عسكرية تنشر الخراب والدمار في بيوت الأبرياء. وكنا نتمني لو أن حزب الله حمل لواء القضية الفلسطينية بوصفه طرفا عربيا تتناغم تحركاته مع الموقف العربي. ولكنه آثر أن يدخل معترك القضية من البوابة الإيرانية, حيث المطلوب هو إشاعة الفوضي والغبار حتي يتسلل الإيرانيون ليحققوا حلما مازالوا عاجزين عن تحقيقه حتي الآن. ودخول حزب الله القضية الفلسطينية من البوابة الإيرانية أضر كثيرا بالقضية بدعوي الدفاع عنها ومساندتها.
فحزب الله يري العمل المسلح طريقا وحيدا لتحقيق الأهداف الفلسطينية. وهو قول تناقضه حقائق الأرض والعقل الرشيد. ويعلم حزب الله نفسه بطلان ذلك التوجه, ولكنه يحقق لسادته في طهران أهدافهم. فالعمل المسلح الذي نادي به, دفع بإسرائيل صوب التشدد في الحلول السلمية. واللجوء إلي العمليات الانتحارية أعطي إسرائيل الفرصة الذهبية لضم القضية, وأصحابها إلي قائمة الإرهابيين في العالم, والانتقال بالقضية إلي مربع آخر, حيث لم يعد العالم ينظر إلي المقاومة علي أنها حق مشروع يستحق الدعم والمساندة وإنما إرهاب يستدعي المكافحة.
والذي ينظر إلي الانتفاضات الفلسطينية يري متغيرا رئيسيا ملازما للنجاح والفشل في تحقيق أهدافها. هذا المتغير هو ظهور حزب الله في هذه الانتفاضات. في أواخر الثمانينيات وقعت الانتفاضة الفلسطينية الأولي, وكانت ناجحة, ثم كانت الانتفاضة الثانية, التي فشلت في تحقيق أي أهداف لها. في الأولي لم يكن لحزب الله علاقة. فقد كان في سنواته الأولي. وفي الثانية ظهرت أصابعه, وبذل كل الجهد في تسويق نمط المقاومة اللبنانية في الجنوب اللبناني ليتبناه الفلسطينيون برغم الاختلافات الجوهرية في كل شيء بين الظروف الجغرافية والسياسية واللوجيستية.
كان الجنوب اللبناني جزءا صغيرا محتلا. أما فلسطين فقد كانت كلها تحت الاحتلال. قدم حزب الله كل الدعم للعمليات الانتحارية, التي منيت بالفشل في تحقيق أي أهداف فلسطينية, ولكنها علي الجانب الآخر حققت العديد من المزايا. وبفضل تلك العمليات استطاعت إسرائيل أن تربط في العقلية الأوروبية والأمريكية بين إرهاب القاعدة وبين كفاح الفلسطينيين. فتراجعت القضية الفلسطينية دوليا بعد أن كانت قد اكتسبت من الانتفاضة الأولي زخما كبيرا.
وللأسف الشديد يبدو أن بعض الفصائل الفلسطينية لم تتعلم الدرس جيدا, ومازال البعض منها يمشي في ركاب حزب الله, حيث تأتي بعض الأموال وبعض السلاح, الذي يضر القضية أكثر مما ينفعها.
osaraya@ahram.org.eg
| فهم لا يرتكبون خطأ بل يرتكبون جريمة جديدة في حق الفلسطينيين والعروبة. ففي الوقت الذي كانت مصر تعمل فيه بكل قواها مستخدمة رصيدها السياسي والدبلوماسي في عالمها ومحيطها لكشف العدوان ووقفه عند حدوده وحماية غزة, والدفاع عن المصالح الفلسطينية, كانت تلك القوي تلعب لعبتها القذرة بتخطيط إيراني استخدمت فيه كل أدواتها وأحزابها وأموالها لإثارة حرب موازية وعدائية لضرب مصر وسياستها في نظر وعيون العرب بل والعالم كله, فاتهمتها في البداية بالتواطؤ, وعندما انكشفت تلك الفرية أو الفتنة اخترع خيالها المريض والمتآمر تهمة جديدة حاولت إلصاقها بمصر وهي التخاذل والضعف وعندما ظهر الموقف المصري شامخا وقادرا وبعزة لا نظير لها حين حشدت العالم مرتين في شرم الشيخ لوقف العدوان علي غزة وإعادة تعميرها وإحياء حل الدولتين ثم واصلت دورها التاريخي بعد العدوان بتقوية ودعم الفلسطينيين, ولم شملهم وإنهاء تفكك الفصائل الفلسطينية وإعادة الوحدة بين فتح وحماس أو بين الضفة وغزة. وانكشفت المؤامرة علي مصر وعلي فلسطين معا وصانعيها, ومن يعمل لصالح الفلسطينيين ومستقبلهم, ومن يستخدم القضية ممرا إلي الفتنة, وتحقيق مصالحه الذاتية والأنانية, بل لضرب قضية الشعب الفلسطيني وتهميشها لتحقيق مصالح الحكام في إيران وأحزابهم وعملاؤهم في العالم العربي, والذي أصبح الارتزاق بالقضية االفلسطينية مصدر عيشهم وبقاء نفوذهم السياسي, سواء علي بلادهم أو حماية لمصالح إيران الإقليمية. ونقول للجميع إن زمن توظيف الشعب الفلسطيني للارتزاق وتكوين نفوذ سياسي وإقليمي انتهي, فالفلسطينيون بلغوا الرشد ويعرفون مصالحهم قبل غيرهم. ولكنهم اليوم فريسة في أيدي من لا يرحم, وهي التيارات الدينية سواء كانت جماعات محظورة في بلادها, أو فريسة لفكرة تصدير إيران لثورتها في منطقتنا العربية. وهذه هي الحقيقة الخطيرة, التي أضعفت الثورة الفلسطينية في السنوات الأخيرة. فالفلسطينيون حركة تحرر وطني وليسوا جماعة دينية أو أحزابا متطرفة, وعلي الإخوة في حماس أن يعرفوا بوضوح الفرق بين حركة تحرر وطني من أجل فلسطين, وجماعة دينية إسلامية, فهذا هو ما يضعف عدالة القضية الفلسطينية وقوتها في عالمها. ونحن لا ننكر تأثير الإسلام وقوته علي الروح المعنوية للشعب الفلسطيني, ولكنه ليس الاستراتيجية الوحيدة التي تحكم قدرة هذا الشعب علي التحرر. ولعل من هذه النقطة تسلل الإيرانيون إلي جماعة حماس لسرقة قضيتهم وتوظيفها إيرانيا بعيدا عن مصلحة الشعب الفلسطيني. ونعتقد أن مؤامرة حزب الله علي مصر ستنكشف أمام الإخوة في حماس, ليحصنوا أنفسهم من أن يقعوا فريسة للمؤامرات الإيرانية لتوظيف قضيتهم, وبالتالي هدمها بحجة إعلاء شأنها. إن محاولات إيران وأنصارها الدفاع عن جريمة حزب الله, بتصوير ما يحدث علي أنه مسرحية مفبركة أو تظاهرة إعلامية لا يعدو أن يكون دفاعا هزيلا لا يقبله عقل, خاصة بعد اعتراف حسن نصر الله نفسه أمام الرأي العام. والأهم أن القضية بكل مشتملاتها وفروعها أمام القضاء المصري, المعروف بنزاهته وشفافيته الكاملة, وبقدرته المهيبة وتجرده ونزوعه إلي الحق والعدالة الكاملة, مما يجعلنا جميعا علي يقين وثقة بكشف الجريمة وحقائقها والوصول إلي العدل الذي هو مطلب الجميع. ولكن تبقي الدروس والعبر التي تقدمها هذه القضية للرأي العام وللسياسيين في منطقتنا. فالسياسة التي انتهجتها مصر للدفاع عن المصالح العربية الحساسة والوقوف ضد العدوان أيا كانت القوة, التي تحاول أن تفرضه, يعكس وعي المصريين التاريخي بمصالح العرب والمسلمين وهويتهم, وأنها لن تتركهم للعدوان أيا كان مصدره أو هويته. فلا يمكن إخفاء التدخل الإيراني والهيمنة الإيرانية علي المصالح العربية حتي لو ارتدت الثياب الدينية أو الجلباب الفلسطيني فهي لا تصلح لها, بل تعكس تلونها وتلاعبها بمصالحنا الاستراتيجية, ونحن قادرون علي كشفها. وعلي إيران أن تعيد النظر في سياستها تجاه العرب لو أرادت حقا الحصول علي دعمهم في صراعها مع القوي الكبري, وليس إجبارهم علي أن يكونوا تابعين لها. والذين يصفون ـ عبر وسائل الإعلام ـ ما اقترفه حزب الله من جريمة علي الأراضي المصرية بأنه توتر في العلاقة بين الجانبين يرتكبون حماقة كبري. فأي علاقة تلك, التي يتحدثون عنها بين مصر وحزب الله. وما هو حزب الله حتي يسبغ عليه البعض ذلك الشرف. أي علاقة يتحدثون عنها بين مصر وفصيل الميليشيات, الذي أنهك الجسد اللبناني, الذي نقدره ونحترمه؟ أي علاقة يمكن أن تنشأ بين دولة بحجم مصر وتاريخها ومكانتها وبين ذلك الكيان الذي انتزع من لبنان ليكون رأس حربة لدولة تتربص في الجوار بالعرب واللبنانيين أنفسهم؟ كيان وجد للعبث, واللهو واللعب علي المتناقضات الكثيرة في المنطقة العربية. هذا العبث الذي مارسه ويمارسه لايرتفع به إلي ذلك الوصف, الذي تحاول بعض الأقلام تسويقه في العالم العربي. لقد أغرت وسائل الإعلام قيادات حزب الله بأن تتجرأ فتناشد مصر معالجة جرائمهم, التي ارتكبوها علي أرض مصر بروية وهدوء. أي هدوء يمكن أن تعالج به مصر مؤامرات عصبة خارجة علي كل عرف وكل قانون؟ لقد اختلطت الأوراق كثيرا في العالم العربي فلم يعد البعض قادرا علي تحكيم أي قدر من العقل أو الحكمة السياسية. والأوضاع السائدة الآن تستدعي الحكمة والرشد في الحكم علي الأشياء أكثر من أي وقت مضي. فقد اختلطت الأوراق وأصبح المكشوف من الحقائق أقل كثيرا من المستور المختبئ. وليس هناك من وسيلة لكشف المستور إلا بالقدرة علي التحليل المتعمق المستند إلي الرشد. وما أقدم عليه حزب الله جريمة في حق الدولة الأكبر في المنطقة ومن واجبها ألا تتساهل مع ألاعيب الصغار, الذين يريدون نشر الحرائق في كل مكان. وحين يتجرأ حزب الله علي فعل ما فعل في دولة بحجم مصر فماذا هو فاعل في دول أخري؟ وعلي العرب جميعا أن يفهموا تلك الحقيقة, فالتهاون مع حزب الله فيما فعل اليوم في مصر سوف يكون له عواقب وخيمة في كل قطر عربي في الأيام المقبلة. وحين تتخذ مصر موقفا حازما إزاء جرائم حزب الله فإنها تحمي الكثير من الأقطار العربية, التي يمكن أن تتحول إلي مسرح للمزايدات والابتزاز والعبث بأمن تلك البلاد. وعلي الذين يدافعون عن حزب الله خارج لبنان أن يدركوا خطر سياسات ذلك الحزب علي أمن بلادهم. فليس في السياسة عداء مستمر أو صداقة مستمرة. وإذا كانوا اليوم حلفاء لحزب الله فسوف تتعارض المصالح يوما, وتحل العداوة محل التحالف, ويصبح الوقت متأخرا لكبح جماح الحزب, الذي برروا له يوما سوء أعماله. ومهما يكن موقف البعض في العالم العربي فمصر لن تتهاون فيما يمس أمنها القومي مهما يكن مصدره. وينبغي أن يعلم الجميع أن مصر تترفع عن كثير من السقطات, التي تقع فيها أطراف عربية, ولكنها أبدا لن تتهاون مع أي عبث بأمنها القومي. ولاينبغي في هذا الموقف اللجوء إلي خلط الأوراق لتسويق الكذب والمؤامرات واللعب علي عواطف العرب بشأن القضية الفلسطينية. ولن تعنينا كثيرا حملات الدعاية, التي يدافع بها حزب الله عن جرائمه من خلال وسائل إعلامه, أو من خلال أولئك المنتفعين منه, أو به, أو المخدوعين بشعاراته الكاذبة. فنحن نعرف جيدا ماذا فعل حزب الله مثلما يعلم قادته ما الذي أرادوا فعله في أرض مصر. ونصيحتي للأشقاء في لبنان ألا يقعوا ضحية للأوراق المغلوطة. حزب الله ليس لبنان وإن كان لبناني الموقع والجنسية. ونحن في مصر لن نأخذ لبنان بجريمة حزب الله. فنحن حريصون علي لبنان وأمنه واستقراره, محبون له, و مقدرون لعطائه. وتاريخنا مع لبنان يشهد علي تلك الحقيقة قبل أن يلصق كيان حزب الله بالجسد اللبناني. فما بين مصر ولبنان أكبر كثيرا من حزب الله وقياداته. لقد أسرع قادة حزب الله إلي تغطية جريمتهم الشنعاء في مصر برداء القضية الفلسطينية. وكان بوسعهم أن يفعلوا ذلك مع أي دولة أخري غير مصر. لأن القضية الفلسطينية سكنت مصر منذ ظهورها أكثر مما سكنت أي أرض أخري. ولقيت من مصر دعما وجهدا وتضحيات لم تبذلها دولة أخري. فكيف يمكن تسويق هذا الوهم الآن؟ لقد سالت الدماء المصرية من أجل فلسطين قبل أن ينشأ حزب الله, وقبل أن تولد جميع قياداته وقبل أن يظهر علي سطح الحياة السياسية فقهاء الشيعة من الولاة في إيران. بل إن جهود مصر وتضحياتها من أجل فلسطين هي التي أسهمت في تشكيل وجدان قيادات حزب الله نحو القضية الفلسطينية. اليوم وجد حزب الله في قوة أخري نفعا يعمل لحسابها ولحساب أحلامها, وليس هناك اليوم ورقة تغطي سوء الأطماع والأحلام غير القضية الفلسطينية. لقد امتطي حصان فلسطين مرابون ومغامرون سياسيون ومتاجرون كثيرون. لم يفعلوا شيئا من أجلها ولكنهم أعاقوا كثيرا من الجهود, التي كانت كفيلة بإنهاء معاناة هذا الشعب. ولدينا من الخبرات الكثير مما يمكننا من اختبار حقيقة الشعارات والمواقف, التي تتستر برداء القضية في فلسطين. ولن يأتي حزب الله بعد ستين عاما من عمر القضية يحاول خداعنا بأن فلسطين هي قضيته. إن ميثاق تأسيس الحزب وبرنامجه ووثائقه الرسمية تقول شيئا واحدا: إنه امتداد لدولة الملالي في إيران, وليس هناك إشارة واحدة لفلسطين, التي أصبحت اليوم الورقة التي يداري بها حزب الله سوءته الكبري في الكيد للعرب, والتآمر ضدهم وضد الوطن, الذي يعيش فيه لحساب ملالي طهران. لم تعد السياسة في عالم اليوم مهنة من لا مهنة له ولا مجالا للعبث بأقدار الشعوب. لقد مضي زمان تفجير طاقات الغضب الشعبي في مناوشات عسكرية تنشر الخراب والدمار في بيوت الأبرياء. وكنا نتمني لو أن حزب الله حمل لواء القضية الفلسطينية بوصفه طرفا عربيا تتناغم تحركاته مع الموقف العربي. ولكنه آثر أن يدخل معترك القضية من البوابة الإيرانية, حيث المطلوب هو إشاعة الفوضي والغبار حتي يتسلل الإيرانيون ليحققوا حلما مازالوا عاجزين عن تحقيقه حتي الآن. ودخول حزب الله القضية الفلسطينية من البوابة الإيرانية أضر كثيرا بالقضية بدعوي الدفاع عنها ومساندتها. فحزب الله يري العمل المسلح طريقا وحيدا لتحقيق الأهداف الفلسطينية. وهو قول تناقضه حقائق الأرض والعقل الرشيد. ويعلم حزب الله نفسه بطلان ذلك التوجه, ولكنه يحقق لسادته في طهران أهدافهم. فالعمل المسلح الذي نادي به, دفع بإسرائيل صوب التشدد في الحلول السلمية. واللجوء إلي العمليات الانتحارية أعطي إسرائيل الفرصة الذهبية لضم القضية, وأصحابها إلي قائمة الإرهابيين في العالم, والانتقال بالقضية إلي مربع آخر, حيث لم يعد العالم ينظر إلي المقاومة علي أنها حق مشروع يستحق الدعم والمساندة وإنما إرهاب يستدعي المكافحة. والذي ينظر إلي الانتفاضات الفلسطينية يري متغيرا رئيسيا ملازما للنجاح والفشل في تحقيق أهدافها. هذا المتغير هو ظهور حزب الله في هذه الانتفاضات. في أواخر الثمانينيات وقعت الانتفاضة الفلسطينية الأولي, وكانت ناجحة, ثم كانت الانتفاضة الثانية, التي فشلت في تحقيق أي أهداف لها. في الأولي لم يكن لحزب الله علاقة. فقد كان في سنواته الأولي. وفي الثانية ظهرت أصابعه, وبذل كل الجهد في تسويق نمط المقاومة اللبنانية في الجنوب اللبناني ليتبناه الفلسطينيون برغم الاختلافات الجوهرية في كل شيء بين الظروف الجغرافية والسياسية واللوجيستية. كان الجنوب اللبناني جزءا صغيرا محتلا. أما فلسطين فقد كانت كلها تحت الاحتلال. قدم حزب الله كل الدعم للعمليات الانتحارية, التي منيت بالفشل في تحقيق أي أهداف فلسطينية, ولكنها علي الجانب الآخر حققت العديد من المزايا. وبفضل تلك العمليات استطاعت إسرائيل أن تربط في العقلية الأوروبية والأمريكية بين إرهاب القاعدة وبين كفاح الفلسطينيين. فتراجعت القضية الفلسطينية دوليا بعد أن كانت قد اكتسبت من الانتفاضة الأولي زخما كبيرا. وللأسف الشديد يبدو أن بعض الفصائل الفلسطينية لم تتعلم الدرس جيدا, ومازال البعض منها يمشي في ركاب حزب الله, حيث تأتي بعض الأموال وبعض السلاح, الذي يضر القضية أكثر مما ينفعها. | ||||
