مقالات الأهرام اليومى

حول جريمة المشهد الحسيني‏!‏

برغم الآثار السلبية والحزن الذي خيم علي المصريين مساء أمس الأول لتلقيهم نبأ الجريمة الخسيسة التي أصابت جوار المشهد الحسيني الشريف‏(‏ من الزوار والسائحين‏)..‏ وراح ضحيتها السائحة الفرنسية الشابة‏(‏ زينا سيسي‏17‏ سنة‏)‏ و‏19‏ مصابا آخرون أغلبهم فرنسيون وعرب ومصريون‏,‏ برغم ذلك فإن الخوف لم يخالجنا‏,‏ ولم يتسرب إلينا أدني شك في أن الإرهاب الأسود وعصاباته المنظمة التي انتشرت في مصر في تسعينيات القرن الماضي‏,‏ والتي اتشحت ـ للأسف ـ بالدين الإسلامي وسلكت عصاباتها كل أشكال التطرف الديني‏,‏ قد أطلت بوجهها القبيح من جديد‏.‏

ولقد انتابنا جميعا كثير من الحزن علي الضحية الفرنسية الشابة‏,‏ التي جاءت لزيارة مصر ضمن فوج سياحي في وقت تعصف فيه الأزمة الاقتصادية بالعالم كله‏,‏ وكانت السياحة هي أول المضارين بها‏.‏ وخفقت قلوبنا حزنا وتأثرا علي شبابها وقلوبنا مع أسرتها وأسر المصابين في هذا الحادث الإجرامي نؤازرهم ونشد علي أيديهم‏.‏

لقد اجتازت مصر مسلسل الهجمات الإرهابية‏,‏ التي تعتنق الفكر الجهادي والتكفيري ولن تعود إليه‏,‏ ولن يجد الإرهاب في مصر أرضا لأفعاله‏,‏ أو عملاء له يبيعون أمن بلادهم وسلامة مواطنيهم بولاء زائف لقوي تمارس مؤامراتها من الخارج‏.‏

إن ما وقع أمام المشهد الحسيني ليس إلا بقايا ممن سلبت عقولهم‏,‏ وباعوا أنفسهم للشيطان‏,‏ وهم يتصورون أنهم متدينون لكنهم في الحقيقة والواقع أفراد يفتقرون إلي الرشد‏,‏ وأصابهم فقدان الوعي والضمير‏.‏

إن هذه الجريمة الدنيئة هي نتاج الآثار السلبية لحملات التزييف‏,‏ التي أطلت بوجهها العدواني علي مصر خلال العدوان البربري علي الأشقاء في غزة‏.‏

إنها نتاج الحقد علي مصر‏,‏ شعبا وحكومة‏,‏ لدي الجماعات التي صاحبت عذابات الفلسطينيين طوال أيام العدوان‏,‏ ووجدت لها أرضا لدي بعض ممن تبقت فيهم أوهام الإرهاب القديم‏,‏ فاستثارت أحقادهم وانفعالاتهم التي انفجرت في منطقة الحسين‏.‏

 

ولست متيقنا هل تم استهداف السائحين الفرنسيين علي وجه الخصوص‏,‏ أم هي المصادفة التي صنعته؟‏.‏ وهل هو إرهاب‏,‏ يريد أن يعطي رسالة رمزية ضد الدور الذي لعبته مصر بالتعاون مع فرنسا لوقف العدوان علي غزة‏,‏ أم أن عشوائية الجريمة هي التي صنعت هذا الحادث الخسيس؟‏.‏ أعتقد أن أجهزة الأمن قادرة علي كشف كل ملابسات هذا الحادث البغيض‏,‏ الذي عكر صفو بلادنا‏.‏ فقد واجهت مصر إرهاب الثمانينيات والتسعينيات وفق منهجية شاملة ورؤية عميقة لجذور التطرف والإرهاب‏.‏

ولكننا تأثرنا بالإرهاب المستورد‏,‏ وبنتائج الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان‏,‏ والتي تفجرت بعد أحداث‏11‏ سبتمبر عام‏2001‏ في نيويورك وواشنطن‏,‏ دون مواجهة لجذوره وتداعياته العميقة‏,‏ ونتأثر بالفشل الأمريكي والعالمي لمواجهة جذور التطرف والإرهاب باجتثاث الأزمات والمظالم الكبري التي صنعته‏,‏ وفي مقدمتها ضياع حقوق الفلسطينيين منذ الحرب العالمية الثانية وحتي الآن‏.‏

ولعل هذا الحادث‏,‏ الذي جاء بعد الحرب علي غزة‏,‏ والصلف والعدوانية الإسرائيلية التي انتهكت كل حقوق الفلسطينيين يذكرنا بجذور الأزمة التي أشعلت الإرهاب والتطرف في منطقتنا ككل‏,‏ والتي تحث العالم للوقوف مع مصر لتحرير الفلسطينيين وتحقيق الاستقلال لبلادهم‏,‏ وقيام دولتهم من أجل استقرار الشرق الأوسط‏,‏ بل والعالم كله‏.‏

وتبقي كلمة نقولها للمتربصين بمصر ودورها‏,‏ للذين يطلقون أصواتهم البغيضة مع الجريمة‏,‏ فأصبحنا لا نميز بين ألم الحادث وأحقادهم الدفينة علي استقرار مصر وتطورها وعلي دورها‏.‏

نقول لهم‏:‏ إن أمن مصر أبعد ما يكون عن مؤامرات الصغار وغضب الحاقدين‏,‏ فمصر أمينة علي أمن وسلامة كل المصريين‏..‏ ومصر أمينة علي أمن العرب وسلامتهم‏..‏ ومصر أحبطت مؤامرات المتعطشين للحروب في الشرق الأوسط‏,‏ وتمسكت بالسلام‏,‏ وعملت من أجله دون اكتراث بالذين يرون مصالحهم تتحقق بدماء الضحايا وأشلاء المدنيين والأطفال وهدم ما تم بناؤه‏.‏

لن تتحرك مصر بوحي الغاضبين‏,‏ المخدوعين بشعارات تزييف العقل والوعي أو الدين‏..‏ وهم قلة قليلة في مصر وخارجها‏.‏

مصر أكبر من المتآمرين ومن اغتروا بشعاراتهم التي مازالت تتردد من حولنا‏.‏

مصر لم تكن أبدا جماعة أو فئة أو طائفة أو تيارا سياسيا أو دينيا‏.‏

مصر دولة قديمة وعريقة‏,‏ تراكمت خبراتها وسياساتها واتسعت مصالحها‏,‏ ويتولي أمرها حكماء عركتهم خبرات الحرب والسلام‏,‏ يستشعرون المسئولية أمام الشعب والتاريخ والإقليم بل العالم‏.‏

مصر لن تحيد عن سياساتها بسبب مؤامرات خارجية‏,‏ أو أفكار صبيانية أو حوادث صغيرة‏.‏

ونحن نأسف كثيرا للضحايا والمصابين‏,‏ ولكن أرواح وممتلكات الملايين في مصر أعز من أن يدفع بها في أتون الحروب‏,‏ أو الصراعات إرضاء لفئة ضالة سكن الوهم عقولها‏,‏ وغاب الضمير عن وجدانها‏..‏ أصوات التحذير والنصح لم تعد تجدي مع هؤلاء‏,‏ ولم يعد أمامنا سوي الردع وسيلة‏..‏ حتي يستفيق هؤلاء من غيهم ويرجعوا عن مؤامراتهم ويتوقفوا عن شائن أفعالهم‏.‏

لقد صمدنا طويلا أمام مسلسل طويل من مؤامرات الصغار والكبار‏,‏ ولن يجدي عبث الإرهابيين في مسيرة دولة مثل مصر‏,‏ لها مكانتها وتأثيرها في محيطها العالمي‏..‏ وتعرف جيدا طريقها وتحسب كثيرا خطواتها‏.‏

osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى