شمـس غــزة وبريـق شـرم الشـيخ

لم يشأ الرئيس أن يكون المؤتمر مناسبة لتمويل ما دمرته آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية فحسب.. ولكنه أراد أن يكون المؤتمر قوة جديدة تدفع بمساعي السلام نحو الخلاص من التوتر والاحتقان والاقتتال.
وأكد الرئيس أن الحديث عن دعم الاقتصاد الفلسطيني وتحسين أوضاع الفلسطينيين لن يكون بديلا عن الأفق السياسي لعملية السلام والتسوية القائمة علي دولتين.
تلك الرسالة التي حملها خطاب الرئيس لاتقل أهمية عن جهود الإعمار. فبدون التوصل إلي سلام يضمن حقوق الفلسطينيين سوف يعود العالم مرات ومرات للبحث عن تمويل ما دمرته الحروب. وإذا كان المؤتمر قد انتهي إلي التزامات مالية توفر التمويل لمشروعات إعادة الإعمار, فإن العالم الذي اجتمع في شرم الشيخ بات أكثر وعيا بخطورة التأخر في التوصل إلي تسوية سلمية تعيد الحقوق للفلسطينيين.
لقد كان الحضور العالمي في شرم الشيخ بمثابة صفعة قوية لهؤلاء الذين اشبعوا الجرحي والثكالي والأرامل والأيتام في غزة ـ إبان العدوان ـ شحنا وعداء لمصر. وصفعة علي وجوه الذين راحوا يلوون الحقائق, ويدعون كذبا تراجع دور مصر, ومعهم أولئك الذين حركوا جموع الغاضبين يرفعون شعاراتهم الجوفاء ضد مصر. لقد سكت صوت هؤلاء جميعا وبقي صوت مصر قويا معبرا عن الحقيقة, ومناديا بحقوق الذين ظلموا ومنددا بالعدوان.. اليوم يتلفت الفلسطينيون في غزة وفي القطاع من حولهم فلا صوت هناك يتحدث عنهم إلا مصر, ولاقوة تقيل عثرتهم وترفع عنهم الظلم إلا مصر. خفتت تلك الأصوات التي ملأت الدنيا ضجيجا وادعاءات كاذبة وبقيت مصر مبارك مدافعا قويا مثابرا وعنيدا عن الحق الفلسطيني. جمعت بمكانتها وفود العالم من أجل نصرة الحق في فلسطين, واستخدمت نفوذها وحكمة رئيسها في إيقاظ الضمير العالمي, وتبصير العالم بحقيقة الذي يجري في المنطقة.
إن ماحدث في شرم الشيخ من نجاح عالمي سياسيا واقتصاديا ليس إلا خطوة من خطوات المبادرة المصرية التي بقيت المبادرة الوحيدة القادرة علي الخروج بالأشقاء في غزة من محنتهم بعد أن خفتت كل الأصوات. تحركت مصر علي كل الجبهات في وقت متزامن ضمانا لمخرج آمن من أزمة لم تكن بكل المعايير مأمونة النتائج. تواصلت مساعيها لتثبيت التهدئة بين الجانبين, وبدأت بنجاح مساعي المصالحة بين السلطة الفلسطينية والفصائل الأخري. ولن يكون إعمار غزة نهاية المطاف في الجهود المصرية ولكنه جزء من رؤية مصرية شاملة للأوضاع في الأراضي المحتلة. وعلي الفلسطينيين أن يدركوا الآن أن الفرص التي تتيحها الآن الجهود المصرية الراهنة ليست متاحة علي الدوام, وأن نجاح مصر في مساعيها مرتبط بوحدة الصف الفلسطيني, والاتفاق علي رؤية استراتيجية موحدة تضع مصلحة الشعب الفلسطيني وحده في الاعتبار. وهي المصالح التي لم تعد تقبل المغامرة بها لحساب وعود أو عهود تقدمها دول أخري تضمر الشر للمنطقة, وتسعي للهيمنة عليها, ولها أيضا مصالحها التي لن تكون علي الدوام متوافقة مع المصلحة الفلسطينية.
